أختي عنيدة.. عن العناد والنسوية
كانت أختي في طفولتها عنيدة، وأنا كُنت أساندها في عنادها ضد أبيها وأمها والعائلة، وعندما توقفت عن العناد، تزوّجت.
لم أكن وقتها أفهم أنّ ثمّة علاقة يمكن نسجها بين العناد والنسوية، بين العناد والإرادة، بين العناد والرفض. كان يُوصف العنيد بأنّ "رأسه حجر أو رأسه جزمة"، أو يُقال "راكب رأسه"، أو "عاجبه حاله"... وهذا يعنى أنّ الشخص يتخذ قراراته وفقاً لإرادته الخاصة، ولا يمكن لأحد أن يُملي شروطه عليه. يتبع أفكاره الخاصة أو الأفكار التي تبدو له صحيحة. الذكور العنيدون جيّدون، بينما الإناث العنيدات سيئات. الذكور العنيدون أقوياء، بينما الإناث قليلات الحياء. العناد لدى الذكور محمود، وهو نفسه مذموم لدى الإناث. البنت العنيدة تمتلك رأساً "ناشفاً"، وبعد وقت، لن يستطيع أحد أن يسيطر عليها، وهذا خطر، أمّا الولد فيجب أن يكون معتدّاً بنفسه، ورجلاً مسؤولاً.
كان أفراد العائلة يمزحون ويتفكهون بالطفل العنيد، ولكنهم في ذات الوقت يقرّعون البنت العنيدة. فالبنت يجب أن تكون مهذّبة ومطيعة. والبنت الجيّدة تسمع الكلام وتنفذ ما تُؤمر به، الفتاة الجيدة (وفقاً للتربية) هي المطيعة، والمحتشمة، واللينة، والرقيقة، والمهذبة، والتي لا ترفع عينيها عن الأرض، لا تنظر في عيون الكبار، نظرها إلى أسفل دوماً، وعليها أن تسير مطاطئةَ الرأس، وبخطوات قصيرة، لا تضحك بصوت مرتفع، لا تصرخ، ولا تتعارك، لا تنفعل. الفتاة الجيّدة قديسة صغيرة.
سارة أحمد، وهي باحثة وناشطة ونسوية بريطانية/أسترالية، هي من نبّهتني إلى هذه المشاعر وتلك البدايات، وتساءلت: لماذا النسويات عنيدات؟ تقول سارة: "دعوني أشارككم تعريفًا نموذجيًا للتعنّت، ينظر إليه على أنّه التأكيد على إرادته الخاصة بدون تدبير، أو أمر، أو توجيه. يتحكّم الشخص بإرادته بغضّ النظر عن السبب، مصمّم على اتخاذ طريقه الخاص، عنيد في إرادته أو متسلط". مع التعّنت والعناد يُولد الرفض، يأتي التمرّد على الأدوار التقليدية. ومع العناد "وركوب الدماغ" تتشكّل الإرادة، وتبدأ المسؤولية في النمو.
مع التعّنت والعناد يُولد الرفض، يأتي التمرّد على الأدوار التقليدية. ومع العناد "وركوب الدماغ" تتشكّل الإرادة، وتبدأ المسؤولية في النمو
أيضاً، تذكر سارة أحمد قصة "الطفلة العنيدة" كمثال للتعليم والتهذيب. تقول القصة: "في قديم الزمان، كان هناك طفلة عنيدة، ولم تفعل ما تريده أمها. لهذا السبب، لم يسر الرب بها، وتركها تمرض، ولم يستطع أي طبيب شفاءها، وفي وقت قصير وجدت نفسها على فراش الموت. وعندما نزلوا بها إلى قبرها، ونثروا التراب فوقها، خرجت ذراعها بشكل مفاجئ، وامتدّت للأعلى، وعندما وضعوها مرّة أخرى ورشوا التراب فوقها، لم يكن هذا ذا فائدة، فالذراع كانت دائمًا تخرج مرّة أخرى. ثمّ اضطرت الأم للذهاب إلى القبر بنفسها، وضربت الذراع بعصا، وعندما فعلت ذلك، سُحبت الذراع داخل القبر، وبعد ذلك وجدت الطفلة الراحة في قبرها".
تدخل هذه القصة ضمن التراث التعليمي الخاص بالتربية، وهي تُظهر العذابات التي تجدها البنت العنيدة، من مرض، وموت، وحتى خروج الذراع من القبر. وتُظهر أيضاً، الطريقة التي يجب أن نعاقب بها التعنّت، أو العناد، يجب ضرب الذراع بالعصا!
تنبهنا سارة أيضاً، إلى أدوات السلطة في القصّة، إلى الطرق التي تسلكها السلطة في التهذيب، وفي العقاب: العصا. وبعد العقاب، وجدت الطفلة راحتها. السلطة تخبرنا أنّ العقاب من أجل راحتنا، من أجل راحة ضميرنا المعذّب.
لا يمكن فصل العناد عن امتلاك إرادة مستقلة، وعندما تتكوّن الإرادة تكون هناك مسؤولية. فالنسوية تبدأ بالعناد. ولهذا يتم تصوير النسويات بأنهن متبطرات ومتحذلقات ومزعجات، ويتم وصف دماغ المرأة النسوية بتعبيرات دالة و"مرحة": "عقلها مريحها"، "ست فاضية ما ورهاش حاجة"...الخ.
عندما تزوجت أختي وتخلّت عن عنادها وعن تبطرها وانصاعت إلى قوانين العائلة، تفرّقت خطواتنا، ولم نلتق إلا بعد أن أنجبت طفلة عنيدة تُعيد سيرة أمها قبل الزواج.