أفريقيا... تغيير نحو الأفضل؟
بقطع النظر عن الموقف من الانقلاب كشكل من أشكال التغيير، فإنّ الأحداث التي شهدها في الفترة الأخيرة أكثر من بلد أفريقي، وفي فترة زمنية قصيرة، تعبّر عن رغبة أفريقية جديدة في النهوض وتجاوز الواقع السيئ للشعوب الأفريقية، وهو الواقع المكرّس منذ عقود بفعل أشكال الاستعمار المتعدّدة التي تعرّضت لها القارة، حيث نُهبت ثرواتها كاملة، ولم يلحقها حتى الفتات الذي يمكِّنها من الوقاية من الفقر والمجاعة والأمراض.
نحن هنا أمام ممارسة فظيعة، بأتم معنى الكلمة، مارستها قوى الاستعمار، وسيأتي اليوم الذي ستعتذر فيه الأجيال القادمة لهذه القوى عمّا ارتكبه الآباء والأجداد من فظاعات.
محاولة النهوض هذه، محاولة مشروعة جداً بل مطلوبة أيضاً، وذلك لكي تُطوّر أفريقيا نفسها على جميع المستويات من جهة، ولقدرتها على الإضافة النوعية للحضارة الانسانية بما تملكه من قدرات مادية وبشرية هائلة، من جهة ثانية.
الآن، وقد وقعت هذه التغييرات على مستوى القيادة، وهي الخطوة الأولى، ثمّة أسئلة كثيرة مطروحة عن مآلات هذه التغيرات، وعن شروط نجاحها، وعن دور الداخل والخارج في ذلك، وغيرها من الأسئلة.
الإجابات متعدّدة والمقاربات مختلفة، حسب المعطيات والخلفيات، لكنّني أعتقد بوجود خطوط كبرى مهمة تمثل العمود الفقري لشروط النجاح في أيّ تغيير، منها المراهنة على الداخل بكلّ فئاته، والإجابة عن سؤال الأفق القريب والبعيد للتغيير.
إنّ الاجابة عن هذا السؤال بعمق ودقة من طرف الفاعلين الجدد هو الذي سيحدّد مآلات هذه التغيّرات بين النجاح والفشل. ومن المهم التأكيد على الدقة والعمق لأنها العناصر الكفيلة بنحت رؤية للمستقبل والابتعاد عن العموميات والشعارات والمقولات الكبرى التي جُربّت ولم تحقّق شيئا. غياب هذا السؤال والإجابة عنه، لا يمكن أن يقود إلى شيء، إنّه يشبه رحلة في الصحراء أو سباحة في بحر دون بوصلة، وهو وضع يقود حتماً إلى السقوط في أخطاء الماضي والعودة إلى الوراء في كثير من الأحيان.
التحوّل في الاصطفاف من قوة خارجية إلى قوة خارجية أخرى، لا يمكن أن يقدّم حلاً، بل سيترك البلد في نفس الوضع، وضع الرهينة العاجزة عن فعل أيّ شيء
أيضا، هناك حاجة لضرورة الوعي بأنّ الحل أو وسائل النجاح هي أساسا في الداخل، وليس في الخارج، لأنّ التحوّل في الاصطفاف من قوة خارجية إلى قوة خارجية أخرى، لا يمكن أن يقدّم حلاً، بل سيترك البلد في نفس الوضع، وضع الرهينة العاجزة عن فعل أيّ شيء.
ونقصد هنا بالحل الداخلي، المراهنة على بناء رؤية وطنية يشارك فيها الجميع بدون استثناء مهما كانت الخلافات، رؤية غير فئوية حائزة على أكبر قدر ممكن من الإجماع.
إنّ الاجماع على هذه الرؤية يساهم في انخراط الجميع فيها، والعمل على الدفاع عنها وإنجاحها، وهو ما يقلّل من العوائق أمام تحقيق أهدافها. كما أنّ الرؤى الفئوية وحسب التجارب السابقة، لم تؤد إلى النتائج المرجوة، بل إنّ فشلها يضاعف سرعة ارتداد البلد إلى أوضاع أكثر صعوبة قد تؤدي إلى الفوضى والحرب الأهلية. في هذا السياق من المهم، أن ينظر قادة التغيير الجدد إلى تجارب دول أفريقية أخرى، للاستفادة منها بالبناء على نجاحاتها وتجاوز إخفاقاتها.
ما ذكرت هما عنصران من عناصر أخرى مهمة، فهل يمكن للقيادات العسكرية الجديدة في أفريقيا بناء رؤية للمستقبل والإمساك بشروط نجاح التغيير، وتكذيب قول أحد الشعراء "الأحذية آيتها الخذلان"؟