أهوال القيامة وحلم إيلون ماسك
نمشي على الأرضِ فننظر بعينِ الشّاهد إلى الحضارات السّابقة. الأهرامات، معبد زيوس الأولومبي، أكروبوليس أثينا، القدس، القلاع والمدن القديمة المسوّرة إلى جانب ناطحات السّحاب... نقيس المسافة بين برشلونة ودمشق مثلًا، ونلمس الفارق بين مصر الفراعنة ومصر القرن الحادي والعشرين. الأرض تدور والشمس تشرق في كلّ مرّة. نغطس في المحيط ونستعذب ضفاف الأنهر. نستمع إلى عزف أوركسترالي لبتهوفن تحت قبّة مسرحِ "برلينر أنسامبل"، نحملق بأعيننا في تمثال مهيب لمايكل آنجلو. نقرأ على شاهدة قبر آرثر رامبو في شارلفيل ما معناه بالفرنسية: "ادعُ الله لي". نشربُ من كؤوسٍ كبيرةٍ عند بحيرة كومو في بيلاجيو، ونرفع غطاء الطاجن اللذيذ في مراكش. هذه كاليفورنيا حيث الغرب، وتلك الصين حيث الشرق. وبين الـ هذه والـ تلك، أفريقيا السوداء النابضة والناهضة إلى مستقبلٍ جديد. إذ ثمّة مستقبل ما يزال ممكنًا حتى هذه اللحظة. لكن، كلّ هذا، وفي غضونِ مئاتٍ أخرى من السنين، وحسب عدد غير قليل من العلماء سيصبح مجرّد ملامح لأطلنتس أخرى مفقودة إلى الأبد. فالحياة على الأرض إلى زوال وشيك. وإذا حالفنا بعض الحظ (وتلك أحلامُ من يتطلّعون إلى النجوم)، سيُختزل كلّ هذا الفردوس الأرضيُّ إلى صورٍ وفيديوهات في أقراص مضغوطة للذكرى؛ نتفرّج على برج إيفل وعلى تاج محل كما كانا في حياتنا الأرضية، فيما نحن على المريخ أو على أيّ كوكب آخر مُحتمل؛ في ظروفٍ لا أعتقد أنّها ستكون مريحة، ولا مضيفة كما عليه الحال هنا. من أجل ذلك الحظ القليل، يدعو إيلون ماسك، ومعه آخرون إلى بذلِ الجهود في مسابقةِ الزمن لإيجادِ كواكب أخرى صالحة للسكن، لأنّ النهاية وشيكة الحدوث، بل أقرب إلينا ممّا نتصوّر.
عديدة هي الأفلام التي تسرد الأهوال عن نهايةِ العالم، وبلا عدّ هي النبوءات أيضًا. كما كثيرة هي الحقائق العلمية التي ترى أنّ نهاية كوكب الأرض كما نعرفه أمرٌ حتمي ولا مفّر منه. تتعدّد السيناريوهات لتفسير النهاية وتتشعّب الفرضيات. أمّا عدم تصديق أيّ منها، فذلك ضرب من الخبل. "يجب على المرء أن يكون أعمى حتى لا يرى لحظات التاريخ الخطيرة التي تقترب" ذاك هو كلام بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل. وإذا كانت النبوءات الإنجيلية بنهاية العالم كما يقرؤها البطاركة والأساقفة قد رأت دليلها في اقتراب الكويكب الغريب الذي يشبه السيجار، "حجر يوم القيامة" أو كما يدعوه المجمع العلمي "أمواموا"، فإنّ ثمّة دلائل أخرى أكثر رعباً وإثارة للذعر وأصدق وعداً أصبحت جليّة بما لا يدع مجالًا للشك. فأين يمكن الهروب مثلا ممّا يسميه العلماء تغيّر المناخ؟ هذا إذا وضعنا كلّ الافتراضات المرعبة الأخرى جانباً بما في ذلك التهديد النووي الذي يتطاير الآن رذاذاً من أفواهِ القادة اليائسين.
كيف نقنع عقلنا بتخيّل حالة واقعيّة من التهجير الجماعي إلى مستوطنات تبعد بالمسافات الضوئية؟
لن تتخلّى هذه الحضارة العجوز عن جنونها في نفث الكربون إلى الأجواء كدخانِ غليونٍ باذخ، مع كلّ ما يتهدّد الكوكب من خطر. فالتخلّي عن هذا الجنون يتطلّب تغييرات كبيرة في سياسات الطاقة وأنماط الحياة وغيرها من المجالات. لذلك فالهلاك هو المصير المحتوم. أمّا في لحظتنا الراهنة، ما قبل القيامة بقليل، فلن يكون أمامنا سوى التعايش مع ظاهرة الاحتباس الحراري، ومراقبة كوكبنا يهوي بنا إلى جهنّم، وهو يتحوّل شيئًا فشيئًا إلى وجهٍ آخر مُكفهّر لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله أبداً.