اضحك أيها الهزلي فصديقك جدّي

28 أكتوبر 2017
+ الخط -
كان صديقي أبو محمد "ظافر الشب" يضحك ويقول لي: أخونا محمد عيدو أبو صطيف جِدّي! 

والشيء الطبيعي أن يضحك ظافر من جِدّيّة محمد عيدو، لأننا كنا نعرف في بلدة معرتمصرين بلقب: الشلة الهزلية.

كان ظافر يضحك ويكركب الضحكة كما لو أنها عصير السوس الذي يقول بائعوه أثناء بيعه: كَرْكَبْ عَسَلْ يا سوس، من شوي مَرِّتْ العروس.. إلا أنه، في الحقيقة، كان بالغ الجدية، ومن دون أن يدري، بدليل أنه أمضى أكثر من ثلاثين سنة وهو يداوم بانتظام في غرفة صغيرة بنقابة المحامين، والأضابير تحيط به من كل جانب. وكان ينجز عدداً كبيراً من وكالات المحامين ويلصق عليها الطوابع، ويُضَيِّف كلَّ مَنْ يمر به من أصدقائه أو معارفه فنجاناً من القهوة أو كأساً من الشاي أو الكباتشينو، ويُمازحه ويسايره حتى ولو كان هو في قمة القهر والطفر، وحينما يغادر الضيف يرافقه الى الباب.. وأنا كنت أسأله، بجدية، عندما يودعني عند الباب: 

- ألو محمد، بدي اسألك، صديقنا عيدو جدي؟ 

فيضحك ويكركبها ويقول: 

- أي نعم، عيدو جدي.

وكان ظافر جدياً في المواقف الجدية، وشجاعاً، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنه متهور.. ففي ذات مرة كنا نحن أفرد (الشلة الهزلية) القادمين من بلدة معرتمصرين نسهر في مكان عام بمدينة إدلب، واحتدمت مشاجرة بيننا وبين مجموعة من الشبان الطائشين، وأخرج أحدُهم مسدساً ولقمه وصوبه علينا، فاندفع ظافر مثل النمر، وتعلق برقبة الشاب وأسقطه أرضاً، وخلص المسدس من يده، ولم يُعِدْه إليه إلا بعد أن تصالحنا معهم وانفضت المشكلة.

وفي سنة 2011 وقف ظافر مع الثورة، مثل أي إنسان كريم محترم يكره الاستبداد، وفي سنة 2012 تزايد القصف المدفعي على معرتمصرين من قبل نظام ابن حافظ الأسد، فاضطر لأن ينزح إلى مدينة الريحانية التركية، وهناك جمعتني به ظروف اللجوء، وتعمقت صداقتنا أكثر، وكنت أزوره في دكان ابنه محمد، قرب دوار الشهداء الذي أسماه السوريون "دوار الشجرة"، وكان يمارس طبيعته المتعلقة بالضيافة، كما لو أنه مداوم في نقابة المحامين.. ويقول لي مخاطباً إياي بلقبي القديم: 

- أهلين أبو عبيد. 

ويقول لابنه: هات اسبريسو لعمك أبو عبيد يا محمد.

وفي شهر مايو/أيار 2013 كان ظافر جدياً إلى حدود الهزل. فحينما وقع الانفجار الأول الذي نفذه شبيحة ابن حافظ الأسد عند دوار السيراميك، سُمِعَ ضجيجُه في كل مكان، وكان جالساً في دكان ابنه محمد، فخرج بسرعة النمر ليرى ما حدث، وحينما وصل إلى دوار الشجرة تلقاه الانفجار الثاني فجعله قطعاً صغيرة.

طيب الله ذكراه.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...