الآغا آغا والأجير أجير
إذن، لقد تغلب عزو آغا وزوجته عزيزة هانم - بالمرح والضحك - على الآلام النفسية الهائلة التي سببها التأميم البعثي، والصدمةِ الناجمة عن انتقالهما من خانة الأغنياء إلى خانة الطفرانين المفاليس.
هذا ما قاله الأستاذ كمال معقباً على الحكاية التي رواها أبو الجود. وأضاف:
- يمكن أستاذنا الجاحظ هوي أول مين اكتشف فوائد الضحك لما حكى عن الوليمة اللي عملها واحد من البخلاء لمجموعة من الأصدقاء. يا عمي أبو محمد ترى هاي الحكاية بتعجبك.
أبو محمد: هات سمعنا.
كمال: بيروي الجاحظ إنه هادا البخيل كان مستعد دائماً لتلبية أي دعوة بيتلقاها لحضور وليمة.. لما بيندعى بيفرح، وبيقول (على راسي، أنا ديبك) وبيروح، وبيقعد، وبياكل، وبينبسط، وبعدها بيشرب شاي، وإذا في حلويات بياكل وبيتلمظ، وبيشكر الشخص اللي دعاه، أو ما بيشكره، وبينصرف. بس هوي ما بيدعي حدا! المهم الأصدقاء تآمروا عليه، ونصبوا له كمائن، وحكوا له عن الكرم العربي وإغاثة الملهوف، وشكلوا رابطة مشجعين خاصة فيه، لحتى أخيراً وافق يدعيهم على طعام. ولما حصل هالأمر الاستثنائي، الخارق، الشباب جوعوا أنفسهم، وأكلوا عنده بطريقة انتقامية، حتى أصيبوا جميعاً بالكَظّة والامتلاء والغَلَبة. وبيقول الجاحظ: والله ما ساعدنا على هضم تلك الحمولات من الطعام غير الضحك!
أم الجود: والله كويسة.
أبو الجود: نعم. وطالما إنكم عرفتوا فوائد الضحك خلوني بقى أكمل حكاية عزو آغا وزوجته. أنا حكيت لكم شلون عزو خَبَّرْ عزيزة إنه البعثيين صادروا كل أملاكه وتركوا له زوجته، وكيف عزيزة هانم، المسخرجية صارت تزلغط. لكن هاي القصة في إلها تفاصيل تانية. يا سيدي، عزو آغا، بعدما سلم أملاكه وسندات التمليك للجنة التأميم، رجع ع البيت وهوي عم يمتدح البعثيين، وعم يقول عنهم: كِبَار، أماثل، ذَوَات، ولاد خلق وعالم.
قالت له عزيزة: والدليل؟
قال لها: أنا لما سمعت من أبو إبراهيم آغا القبلي إنه التأميم راح يتنفذ بشكل نهائي، وما عاد في منه مهرب، بصراحة يا حبيبتي خفت عليكي. رحت لعندهم على فرع الحزب بإدلب، وطلبت مقابلة أمين الفرع بشكل عاجل.. أمين الفرع في عنده آذن إذا بيكون عم يتطلّع فيكي بتفكريه عم يتطلع ع السما. قال لي: الرفيق أبو محمود عنده اجتماع..
قلت له: وأشو هالاجتماعات دخيلك؟ إذا منشان منشان التأميم خلص راح يتنفذ. خليني إدخل لعنده رجاء. رفع بصره على سقف الفرع وقال لي: دقيقة. ودخل على مكتب أمين الفرع، وبعد شوي طلع وقال لي: خش. دخلت. لما شافني أمين الفرع توقف عن الكلام مع رفاقه وقال لي:
- نعم يا أخونا الإقطاعي عزو؟ أشو بتريد؟
قلت له: يا رفيق أبو محمود، إذا بدكم تأمموني ما في مانع، بس رجاء رجاء رجاء، اتركوا لي مرتي عزيزة هانم. لا تأمموها ببوس إيدك. بتعرفي أيش عمل أمين الفرع؟
عزيزة: أشو عمل روحي؟
عزو آغا: قال لي اطلاع استنانا بره لنتشاور! طلعت وقف بره وصرت إدعي يا رب ياخدوا الرزق ويتركوا لي ياكي، وقلت له للآذن ساعدني شوي بالله.. قال لي: بأيش؟ قلت له: ادعي معي إنه ما ياخدوا عزيزة هانم. قام فكر إني عم ورطه بالحكي. ما رد. وعلى كل حال ربك كبير، استجاب لدعائي، وطلع أمين الفرع شخصياً وبلغني القرار. قال لي:
- مبروك، قررنا ناخد كل رزقك ونترك لك مرتك!
حنان: روعة. والله العظيم هالقصة رائعة.
أبو الجود: ومرت الأيام، وعزو وعزيزة رغم الطفر مضوها على ضحك ومزح.. وصارت عزيزة تطلع من البيت وتزور رفيقاتها اللي أزواجهم أغَوات، وترجع ع البيت وتبلش تحكي لعزو عن البلاوي الزرقا اللي تعرض لها الأغوات. بتقول له مثلاً:
- بتتذكر يا عزو آغا صاحبك رشيد آغا؟ الله على هديكه الأيام، لما كان يلعب بالجريد ع البيدر وينط ويركب ع الحصان وهوي راكض؟ نسوان الضيعة كلياتهم كانوا يزلغطوا له.
عزو آغا: بتذكر. ما في متل رشيد آغا خَيَّال. كمان قبضاي وقوي. مرة مسك فرنك وصار يفركه بأصابيعه لحتى انمحت الكتابة عنه.
عزيزة هانم: هلق حاطط كرسي وقاعد على باب داره وعم يحكّي حاله متل "أبو أستيكة". ولما وقف حتى يسلم علي كان ضهره محني طاقين. ولما بلش يحكي انتبهت إنه حرف الـ (ز) وحرف الـ (ش) ما عم يطلعوا معه. قال لي (أهلين وشهلين عَشيشة خانم. شلونه عشّو آغا؟).. قلت له منيح. قال لي: شلمي لي عليه كتير الشلام!
ضحك عزو آغا وقال: يلعن أبو المصاري يا مرا. المهم نحن أغوات. يا مَرَا تأكدي إنه مهما تغير الزمان بيبقى الآغا آغا، والأجير أجير.
أم زاهر: يعني عزو آغا متل والدك الله يرحمه، صار فقير مشحر، ولسه مفكر حاله آغا.
أبو الجود: نعم. بالضبط. وعزو آغا مو ممكن يغير طباعه، لأنه كان آغا فعلاً، مو متل أبوي. ومَرّتْ الأيام يا أختنا أم زاهر، والدار اللي ساكن فيها عزو وعزيزة عتقت، وهرهرت، وصار الأسطوح في الشتي ينش مَيّ، ويكونوا عزيزة وعزو قاعدين ما يشوفوا غير المَيّ بلشت تنقط من السقف (توكف). ولأنه عزيزة هانم سيدة منزل وصاحبة تدبير صارت تجيب طاسة وتحطها تحت التنقيط (الوكف)، وبعد شوي ينقط من مكان تاني، تجيب طنجرة وتحطها تحته، لحتى تعبت الدار كلها طشوت وطناجر وصحون، وكلها عم تنقط. ولحتى تخلي جوزها عزو آغا يضحك كانت تقول له:
- إذا حدا بيسألك عن أحسن دوا للوكف، قله الطاسات والطناجر. لكان أنا عزيزة خانم بخلي المي تنقط على سجادتي؟
وخلال هالشي كان عزو لافف حاله بالمشلح تبع الأغوات وعم يضحك. وقال لعزيزة:
- بقلك شغلة حبيبتي عزيزة؟
قالت له: تفضل.
قال لها: الله يعين الفقرا الدراويش. إذا نحن آغوات والسقف تبعنا عم ينش ويوكف، هالناس الطفرانين كيف عايشين؟!
وعزيزة بتضحك وبتقول له: معك حق حبيبي عزو آغا. نحن آغوات. بس ما قلت لي: أشو بدنا نتعشى اليوم؟
عزو آغا: باطل حبيبة قلبي عزيزة خانم. لكان عندك كل هالعلوم بمعالجة الوكف بالصحون والطناجر، وبيصعب عليكي تدبري لنا شي ناكله؟ باطل!