الأنهار حول العالم تتبخر والعواقب ستطاولنا جميعاً

31 اغسطس 2022
+ الخط -

يتجاهل صناع القرار السياسي على مدى عقود التحذيرات من الأضرار الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، لكن مع تفاقم تداعيات الظاهرة في هذا العام وتحديداً هذه الصيف، عادت الحكومات مضطربة تبحث عن حلول ترقيعية لحل هذه المشكلة. مما سيشكل أعباء وضغوطاً متزايدة على الأفراد خلال فصل الشتاء القادم ممن يعانون من نقص في مصادر الطاقة.

فنهر الراين الذي يمرّ عبر ست دول أوروبية، وبسبب موجة الجفاف المدمرة التي عصفت بأوروبا هذا الصيف سيفقد أيضاً إلى جانب غزارته، رمزه الحضاري، كونه شريان حياة وخط نقل رئيسيا في قلب أوروبا، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير. وتلته أيضاً أنهار أوروبا جميعها التي أصبحت تتبخر خلال موسم صيفي قاس لم تشهده القارة العجوز منذ خمسة قرون، مهدداً حياة أكثر من نصف سكانها.

وقد حذر الخبراء مراراً من تداعيات الجفاف الكبيرة على المستوى الاقتصادي، حيث ستؤجل عمليات نقل البضائع، فضلاً عن تضرر حركة النقل السياحي. كما لم تسلم أنهار أخرى عملاقة في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية والقرن الأفريقي من هذه المشكلة، حيث تواجه جفافًا سيئاً مما ينذر بأزمة جوع عالمية.

وتعود الأسئلة والأفكارتتزاحم مجدداً: من هو المسؤول عن آثار التغير المناخي؟ ومن سيدفع كلفة الأضرار سوى الأفراد؟ وما هي الإجراءات التي ستضمن تمثيلاً عادلاً في عملية صنع القرار؟ ومن سيتحمل هذه المسؤولية. إذاً هو ليس التحدي القائم أمام العالم تحدياً تقنياً فحسب بل تحد أخلاقي أيضاً، والذي سيتطلب تحولاً في الأفكار والسلوكيات.

ستتطلب الإستجابة للتغير المناخي تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم

واليوم، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من أن القرن الأفريقي، يشهد أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاماً؛ وسيواجه أكثر من 18 مليون نسمة جوعاً شديداً، الأمر الذي كان له تأثير مدمر في الزراعة وإنتاج الغذاء. كما أن أكثر من 43% من أراضي أميركا تعاني الجفاف، وأكثر من 130 مليون شخص يتأثرون حالياً بالجفاف، فيما خسر الاقتصاد الأميركي ما يقدر بـ300 مليون دولار، بسبب الجفاف وما يرتبط به من فساد المحاصيل.

كل هذه االتحذيرات والتي ستطاولنا جميعاً تجعلنا ننظر إلى هذا التحدي عبر منظار آخر، يتصور البشرية ككل موحد، فخلايا الجسم البشري اللا متناهية عدديا من الخلايا المختلفة في الشكل والوظيفة، إلا أنها متحدة في الهدف المشترك الذي يسمو فوق الغرض الذي صنعت من أجله أجزاؤه المركبة.

إذن إنها أكثر من مجرد دعوة للتعاون؛ وإنما تسعى إلى إعادة صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا كأعضاء عائلة بشرية واحدة.

فالاحتباس الحراري والتغيير المناخي لا يعترف بالحدود ويلغي الفواصل ما بين البشرية جمعاء. لا بد من النظر إلى أبعد من مجرد مجتمع دولي يحركه نظام اقتصادي منفعي في مجمله، بل إلى حيث يتشارك الكل في المسؤوليات لتحسين بيئة هذا الكوكب الذي نتقاسمه.

ستتطلب الإستجابة للتغير المناخي تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. أما الحلول الآنية، فقد تكون في تبني تقنيات زراعية مستدامة وفاعلة لزراعة المزيد من الغذاء على مساحة أقل من الأراضي وبمياه أقل، كما يمكن للأفراد تغيير علاقاتهم بالأغذية والأعلاف والألياف، والانتقال نحو النظم الغذائية القائمة على النباتات، وهنالك حاجة ماسة إلى تطبيق سياسة منسقة وشراكات وتمويل على جميع المستويات، للمضي قدماً في تقديم خطط عمل متكاملة لمكافحة الجفاف.

68A247F7-2E17-41D0-936C-12D2B63A726B
تهاني روحي

صحافية وكاتبة ومحاضرة في حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي والإعلام والمسؤولية الاجتماعية وحوارات الأديان. وطيلة 25 عاما من خبرتها، تناولت القضايا الاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات واللاجئين وقضايا النوع الاجتماعي. وهي منخرطة أيضا في رفع مستوى الوعي في الحوار مع الآخر المختلف، والعمل الاجتماعي.