الإعلام في ظل الأزمات: بين المهنية والتحديات النفسية

19 نوفمبر 2024
+ الخط -

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأخبار المأساوية والحروب والنزاعات جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليومية. ومنذ فبراير/ شباط 2022، عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وحتى اليوم، تتوالى الأحداث الدموية على مستوى العالم؛ اغتيالات الصحافيين، الاعتداءات المستمرّة في فلسطين، حروب سورية والسودان، وصولاً إلى حرب غزّة ولبنان الأخيرة، حيث بات الإعلاميون في مواجهةٍ يوميةٍ مع الدماء والأشلاء والدمار. وهذه الظروف تضع العاملين في المجال الإعلامي تحت ضغوطٍ نفسيةٍ ومهنيةٍ هائلة، وتجعل مهمّتهم في نقل الحقيقة محفوفة بالمخاطر.

⁠التأثير النفسي على الإعلاميين

لم تعد مهمّة الإعلامي تقتصر على نقل الخبر فحسب، بل أصبحت مواجهة يومية مع مشاهد القتل والتشريد والتهجير والتفجير، ما يترك آثاراً نفسية عميقة على العاملين في المجال الإعلامي، حيث يعاني العديد من الصحافيين من الاكتئاب، التوتر، واضطرابات النوم، اعتياد مشاهد العنف والدماء، ما يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر وأكثر عزلة، حيث يصبح الحفاظ على الصحة النفسية تحدّياً يومياً.

التحديات المهنية في نقل الحقيقة

يواجه الإعلاميون تحديات مهنية كبيرة، إلى جانب التأثير النفسي، ومن الصعب الحفاظ على الموضوعية والمهنية في تغطية أحداث مأساوية تتعلّق بحياة الناس ومستقبلهم. ويتعرّض الإعلاميون كذلك لضغوط من جهاتٍ متعدّدة، سواء من قبل المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها، أو من الجهات السياسية التي تسعى لتوجيه الخبر وفقاً لمصالحها. وعليه، يصبح التوازن بين نقل الحقيقة والتزام الموضوعية مهمّة شاقة في خضم الأزمات.

اغتيال واعتقال الصحافيين في فلسطين: ثمن نقل الحقيقة

في فلسطين، يواجه الصحافيون تحديات مضاعفة، إذ يتعرّضون للاغتيال والاعتقال والتعذيب بسبب تقاريرهم الصحافية وتحقيقاتهم التي تكشف الحقائق غير المريحة للاحتلال، وقد دفع العديد من الصحافيين الفلسطينيين حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة، بينما لا يزال آخرون يقبعون في السجون بسبب مهنتهم، وهذه المخاطر المستمرّة تضع الإعلاميين في حالةٍ دائمة من القلق والخوف على حياتهم وحياة زملائهم.

على المؤسّسات الإعلامية أن تقدّم الدعم النفسي والمعنوي للعاملين فيها، للتخفيف من الضغوط النفسية التي يواجهونها

اغتيال الصحافيين حول العالم: ضريبة المهنة

ليست فلسطين وحدها التي تشهد هذه التحديات، ففي مناطق النزاع الأخرى، مثل سورية والسودان، يتعرّض الصحافيون أيضاً لخطر الاغتيال والاعتقال، وفي بعض الأحيان يدفعون حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة، وهذه الظروف تضع الإعلاميين في موقفٍ حرج، حيث يتوجّب عليهم اتخاذ قرارات صعبة بين نقل الحقيقة والحفاظ على حياتهم.

⁠الضغط النفسي: الجانب المظلم للمهنة

إلى جانب المخاطر الجسدية، يتعرّض الصحافيون لضغوط نفسية هائلة، مشاهد القتل والدمار تترك آثاراً نفسية عميقة، وبسبب ذلك يعاني الكثير من الصحافيين من اضطراباتٍ نفسية مثل الاكتئاب والتوتر واضطرابات ما بعد الصدمة، وعليه تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى تقديم دعمٍ نفسي للعاملين فيها، لمساعدتهم على التعامل مع هذه الضغوط والحفاظ على صحتهم النفسية.

دعم المجتمع للإعلاميين

رغم كلّ هذه الصعوبات، يبقى الإعلاميون صامدين، مؤمنين برسالتهم في نقل الحقيقة وكشف الواقع، وعلى المجتمع دعمهم والاعتراف بتضحياتهم، كما العمل على توفير بيئةِ عملٍ آمنة ومستقرّة لهم. كذلك يجب على المؤسّسات الإعلامية أن تقدّم الدعم النفسي والمعنوي للعاملين فيها، للتخفيف من الضغوط النفسية التي يواجهونها.

رسالة إلى الإعلاميين والصحافيين، خصوصاً في فلسطين ولبنان 

إلى كلّ إعلامي صحافي يعمل في مناطق النزاع، وخصوصاً في فلسطين ولبنان: أنتم في الخطوط الأمامية لنقل الحقيقة وكشف الظلم، تضحياتكم وشجاعتكم في مواجهة الخطر هي مصدر إلهام لنا جميعاً، ونحن ندرك حجم المخاطر والضغوط التي تتعرّضون لها يومياً، ونعلم أنّ صوتكم هو صوت الحقِّ في مواجهة الباطل، نحن نقف إلى جانبكم وندعمكم بكلّ ما نملك، ونسعى جاهدين لتوفير بيئة آمنة وداعمة لكم، وتذكروا أنّ رسالتكم النبيلة هي ضوء الأمل في أحلك الأوقات، وأنّ شجاعتكم وصمودكم هما السلاح الأقوى في معركة الحقيقة.

 الحفاظ على المهنية في مواجهة التحديات

في الختام، إنّ العمل الإعلامي، خصوصاً في القنوات الإخبارية، هو عمل نبيل، ولكنه مليء بالتحديات والصعوبات، ما يتطلّب شجاعةً وصموداً نفسياً كبيرين، وعلى المجتمع والمؤسسات الإعلامية توفير كلّ الدعم اللازم للعاملين في هذا المجال للحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية، وضمان استمرارهم في أداء رسالتهم بنزاهة ومهنية.
الإعلاميون هم صوت الحقيقة في مواجهة الظلم، ويجب علينا جميعاً أن نكون إلى جانبهم في هذه المهمة الصعبة.