الاقتصاد المصري وتزايد المخاطر
تدفعنا السياسة الاقتصادية المتبعة في مصر إلى حافة الهاوية، وتقودنا إلى طريق مسدود نهايته نراها في عديد من دول الجوار، حيث لا إنتاج ولا صناعة، واحتياجات أساسية لا تأتي إلّا بالدولار الذي عجزت الحكومة عن توفيره بعدما ابتعدت عن القطاع الصناعي الذي يوّفر النقد الأجنبي للبلاد من إنتاجه وصادراته.
خلال العقد الماضي نجحت حكومة مصطفى مدبولي في زيادة مخاطر التمويل الخارجي، وعزّزت القفزات المتتالية في الدين الحكومي، الذي يكلّف البلاد مليارات من النقد الأجنبي كلّ عام، والذي بدوره يفاقم أزمة المعيشة، ويزيد الأعباء على كاهل المواطنين، ولا سبيل لديها إلا طريقان، أولهما طباعة النقد، والثاني جيوب المواطنين.
الطريقان يثيران المخاوف في نفوس المستثمرين، وذلك ما أكدته وكالة فيتش عندما خفّضت تصنيف مصر الإئتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى "-B" هبوطاً من "B"، لتكمل سلسة تخفيضات بدأتها "موديز" و"ستاندرد آند بورز" اللذبن أنزلا تصنيف مصر الائتماني درجة، ولذلك تبعات سلبية ضخمة على مستقبل القطاع المالي المتأزم.
ووسط كلّ تلك التداعيات، تتزايد أزمة شح الدولار في المصارف الرسمية، وتشتعل حرب أسعار في السوق السوداء بين رجال الأعمال والحكومة التي تلجأ إلى تلك السوق في أوقات استحقاق فوائد الديون، لتلافي أزمة تُضاف لسجل الأزمات، وتدور الدائرة حيث لا نهاية حقيقية لهبوط الدولار، ولا حدّ لتزايد الديون، ولا آلية لجذب رؤوس الأموال من الخارج أو الحدّ من هروبها من الداخل.
في نهاية 2012 سجّل الدين الخارجي لمصر 34 مليار دولار، وكان الدولار يلامس آنذاك الـ 7 جنيهات ولا يتجاوزها، وبعد مرور نحو 10 أعوام على تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد، قفزت الديون الخارجية خمسة أضعاف، متجاوزة 156 مليار دولار، في دلالة كبرى على تزايد المخاطر الاقتصادية التي تتخوّف منها المؤسسات المالية العالمية وتنصح المستثمرين والمقرضين بتجنّب السوق المصري للحفاظ على أموالهم.
الاستجابة لشروط صندوق النقد ستكون كاملة، وبيع الشركات والمشروعات الرابحة سيكون بشكل أوسع، وذلك سيكون بالتزامن مع تعويم آخر للجنيه مقابل الدولار، ورفع جديد لأسعار المحروقات
ما يتم رصده من أرقام وإحصاءات ليست تربّصاً بالحكومة، أو تصيّد لأخطائها، بل هي جمع بيانات أوردتها الجهات الرسمية وعلى رأسها البنك المركزي، بقيادة المحافظ حسن عبدالله، الذي أخفق في الحدّ من ارتفاع معدلات التضخم، ووقف عاجزاً أمام التعامل مع مراجعات صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية.
أعلنت المؤسسة الحكومية في وقت سابق أنّ قيمة الديون الخارجية مستحقة السداد على مصر تقترب من 30 مليار دولار خلال العام المقبل 2024، فيما تشير الأرقام إلى أنّ ديون صندوق النقد الدولي وحده مقدرة بنحو 22 مليار دولار، كلّ ذلك يأتي وسط نسبة تضخم تلامس الـ 40 في المائة، تطحن المواطن الذي ليس له علاقة بصندوق النقد، ولا يعلم عن "فيتش" شيئاً، كلّ ما يعلمه هو أنه أصبح عاجزاً عن توفير قوت يومه.
مصادر مصر من الدولار لم تعد تكفي حاجتها، لا سيما أنّ الحرب الإسرائيلية أثرت بشدّة على قطاعات عديدة كانت مهمة في توفير العملات الأجنبية، ومنها السياحة التي تضرّرت كثيراً بعد حوادث متفرقة، وكذلك تحويلات العاملين في الخارج التي انخفضت، أو سلكت دروبا أخرى مخفية عن أعين الحكومة المنشغلة بجمع الضرائب ورفع مقابل الخدمات، وأصبح المواطن هو مصدر دخلها الوحيد بعدما فشلت في إيجاد حلولاً تمنحها بقاء مريحاً.
ما تعيشه مصر الآن هو نتاج لسياسة غير المتخصّصين، بداية من الرئيس عبد الفتاح السيسي ومستشاريه، مروراً برئيس الوزراء ووزرائه ونوابهم ومستشاريهم ووكلائهم، فهم جميعا مسؤولين عن جعل مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، هم وحدهم الذين تسبّبوا في ضياع المليارات في مشاريع لم تدر عائداً، ولم تخرج للبلاد منتجاً ذات قيمة يجلب العملة الصعبة ويساهم في حلحلة الأزمة، هم السبب الرئيسي في الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه الجميع.
وفيما يبدو أنّ مطلع العام المقبل لن يكون سعيداً على المصريين، إذ أنّ الحكومة تسعى إلى تطبيق إجراءات اقتصادية قاسية عقب فوز الرئيس المؤكد في الانتخابات المقبلة، وستمضي قدماً فيما امتنعت عن تطبيقه خلال الأشهر الماضية حتى تتجنّب غضبة شعبية تخشى أن تخرج الأمور حينها عن السيطرة.. فالاستجابة لشروط صندوق النقد ستكون كاملة، وبيع الشركات والمشروعات الرابحة سيكون بشكل أوسع، وذلك سيكون بالتزامن مع تعويم آخر للجنيه مقابل الدولار، ورفع جديد لأسعار المحروقات، وكذلك زيادة تعريفة الكهرباء، ولن يكون للحكومة سبيل في جمع المال إلا جيوب المواطنين.