الانتخابات النصفية الأميركية بين فكي تويتر
كانت التداعيات المترتبة على دور منصة تويتر في الدورة الأخيرة من الانتخابات الأميركية لعام 2020، تحديداً بعد انتشار الحسابات الزائفة، وبعد أن استخدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حسابه على توتير لتوجيه مناصريه لاقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، بعد حظر حسابه في 8 يناير/ كانون الثاني 2021، محفزاً أساسياً لمناداة الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، الملياردير إيلون ماسك، بضرورة تعزيز "حرية التعبير" والعمل على "إطلاق" إمكانات تويتر الاستثنائية.
أما بعد استحواذ رجل الأعمال الزئبقي ماسك على تويتر، فقد كثرت التساؤلات حول تأثير المنصة على الانتخابات النصفية الأميركية، والانتخابات بشكل عام، خاصة إذا أوفى ماسك بوعده باستعادة المستخدمين لحساباتهم التي حظرت سابقاً، وأبرزهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والحدّ من القيود على المحتوى.
ماسك قال إنه لن يُعاد أي حساب تم حظره مسبقاً لخرق قواعد تويتر، وإن ترامب لن يعود على الأقل لبضعة أسابيع أخرى تفادياً لأي خطاب ينشر الكراهية على المنصة خلال فترة الانتخابات.
وبعد سقوط العصفور الأزرق في قفص ماسك سارع إلى تسريح عدد من المديرين التنفيذيين في الشركة، بينهم رئيس تويتر باراغ أغراوال، والمدير المالي نيد سيغال، والمسؤولة القانونية فيجايا غادي.
وتأتي إقالة المسؤولين التنفيذيين بعدما اتهمهم ماسك بتضليله بشأن عدد حسابات البريد العشوائي، دون أن يفصح عن الكثير بخصوص كيفية تحقيقه طموحاته الكبيرة لمنصّة التواصل الاجتماعي المؤثرة.
بعد سقوط العصفور الأزرق في قفص ماسك، سارع إلى تسريح عدد من المدراء التنفيذيين في الشركة
لغاية سبتمر/ أيلول 2022، شغل إدوارد بيريز منصب مدير لإدارة الإنتاج في تويتر، وهو انضم إلى الشركة في سبتمر 2021 بعد أن عمل لأكثر من ثلاثة عقود في نزاهة الانتخابات. وكان الدور الأساسي لبيريز الحفاظ على توتير آمناً في أوقات الاضطرابات التي قد تحصل أثناء العملية الانتخابية.
أما اليوم، وبعد التغيرات التي طرأت على ملكية الشركة، لا يزال عدد أفراد فريق بيريز الذين هم في مناصبهم غير واضح، فعمليات التسريح هذه تسبّبت بفوضى، ستؤثر، بحسب بيريز، بشدّة على الشركة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
يتركز قلق بيريز من أن يؤدي التركيز على خطاب ماسك إلى تشتيت الانتباه عن الفيل، كرمز للحزب الجمهوري على المنصة. علاوة على ذلك، قال بيريز إنّ ماسك لا يفهم تمامًا "درجة المسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتقه"، فيما يتعلق باحتمالية الضرر السياسي والعنف المترتب عن ذلك.
إنّ نقص الموظفين يثير قلق أولئك الذين يراقبون الانتخابات، وبحسب الرئيسة التنفيذية المشاركة لمجموعة المناصرة الإعلامية الأميركية Free Press، جيسيكا غونزاليس، إذ قالت في مؤتمر صحافي يوم الجمعة: "لقد تحدثت إلى إيلون ماسك، وهو وعد بالاحتفاظ بإجراءات نزاهة الانتخابات التي كانت موجودة، لكن مع التسريح الجماعي، من الواضح أنّ تصرفات ماسك تخون كلماته". فكيف يمكن لماسك أن يتعامل مع تداعيات أي فوضى رقمية؟
ماسك نفسه أحدث نوعاً من الاضطراب بعد استحواذه على المنصة، تحديداً لناحية فوضى الإشراف على المحتوى، حيث شهد تويتر اندفاعاً في منسوب خطاب الكراهية بعد أن أنهى ماسك الصفقة، وكأنها انتصار لمن يطالبون "بحرية التعبير المطلقة" لتصبح متاحة للجميع.
قلق على افتقار المنصة للاعتدال مقابل ارتفاع نسبة خطاب الكراهية
وقبل يوم من تعيين غالبية الناخبين الأميركيين للإدلاء بأصواتهم، نشر ماسك تغريدة تقول: "للناخبين أصحاب التفكير المستقل: أوصي بالتصويت للكونغرس الجمهوري، بالنظر إلى أنّ الرئاسة ديمقراطية". وأضاف "الديمقراطيون المتشددون أو الجمهوريون لا يصوتون أبداً للجانب الآخر، لذا فإن الناخبين المستقلين هم الذين يرون في الواقع من هو المسؤول". وقد أثارت تغريدة ماسك للتصويت للجمهوريين تفاعلاً كبيراً على تويتر.
من المؤكد أنّ ماسك تلقى الكثير من الانتقادات من السياسيين الديمقراطيين مثل الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن يبدو أنّ الجمهوريين يستمتعون بالتأكيد بأفكار ماسك حول "حرية التعبير" وفق نظرية أن تقول ما تريد بغض النظر عن مدى الخطأ، ومن دون أي تداعيات.
وتتناقض تغريدات ماسك الأخيرة مع أولى مطالباته في شهر أبريل/ نيسان بأن "تويتر يجب أن يكون محايداً سياسياً"، وبينما ادعى أنّ تقاسم السلطة أمر لا بد منه لديمقراطية مستقرة، إلا أنّ مالك المنصة اليوم والمتحدث باسم تويتر يشارك بكلّ بساطة رأيه الخاص من خلال تثبيته على صفحته. هذا الانحياز يروق للجمهوريين الذين أعربوا عن فرحهم الغامر بتغيير ملكية الشركة، وهذا أمر عبّر عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي اعتبر أنّ المنصة اليوم أصبحت في "أيادٍ أمينة".
ولا يمكن التقليل من الدور الذي ستقوم به منصة توتير في التأثير على نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في المستقبل، خاصة أنّ مالك الشركة الجديد لا يبدو حيادياً كما ادعى سابقاً، مما يثير القلق على افتقار المنصة للاعتدال مقابل ارتفاع نسبة خطاب الكراهية.