التلميذ الأهبل سلمون وحكاياته المتخيلة
عُقدت جلسة "الإمتاع والمؤانسة" الأخيرة في منزل الأستاذ كمال بمدينة إسطنبول. أبدى أبو الجود الكثير من الفرح بعد فك الحظر الذي فُرض علينا نحن ذوي الأعمار المتقدمة أثناء التصدي لفيروس كورونا، وصار يُعِّيش وزير الصحة التركي الذي أعلن عن سيطرة الحكومة على الوباء ورفع قيود الحظر.
أبو الجود: يا صبايا ويا شباب، أنا لما سمعت بقرار رفع الحظر عن المسنين صرت إتخيل حالي سهران أنا وإنتوا في بيت العم أبو محمد، وقدامنا منسف فريكة ورز وعلى وجه المنسف كراديش لحم خاروف وصنوبر ولوز وجوز مقلي بالسمن، وعم نغب لبن عيران ومنقرض بصل أخضر وفليفلة خضرا، وبعد العشا لا بد من كعبين كنافة نابلسية، وبالأخير منسلطن على سيكارة تتن وكاس شاي عجمي.
كمال: بصراحة؟ أنا طلبت من زوجتي حنان والولاد يحضروا لنا عشا خفيف، وطالما أبو الجود من أنصار المناسف رايح بقول لها تلغي العشا.
أبو الجود: طول بالك أستاذ، أشو تلغي وما تلغي؟ عم نتناقش! خيو، كمان العشا الخفيف منيح. أنا بعد أيام المجاعة اللي عيشتني فيهم أختكم أم الجود خلال الحظر صرت أشوف الخبزة والجبنة والزيتونة وإضرب لها تحية عسكرية!
أبو محمد: السهرة اللي جاية عندي، واللي بده ياه أبو الجود بيصير. المهم هلق، سمعونا شي حكاية عن هادا الولد سلمون.
أم زاهر: أنا من رأي أبو محمد. وبالمناسبة، كتير عجبتني حكاية الحجاب اللي عمله المشعوذ ندور لسلمون حتى ما ينصاب بالعين.
كمال: ماشي. معناها راح نستأنف الحكاية من هاي النقطة. بوقتها المدير أبو فاروق خَبَّرْ أعضاء اللجنة التأديبية بأنه التلميذ المسطول سلمون أجا مع والدُه لعنده ع غرفة الإدارة، وكان سلمون معلق برقبته "حجاب" متل "الجنجل" اللي بيعلقه الراعي برقبة دكر المعز (التيس).
استغرب رئيس اللجنة وقال لأبو فاروق: حجاب شو؟
أبو فاروق: إذا بتتذكر، زميلكم عضو اللجنة الـتأديبية الأستاذ مالك كان عم يتهكم على سلمون، وطلب منه يشوف شي مشعوذ يكتب له حجاب حتى ما ينصاب بالعين بسبب ذكاؤه الشديد! وسلمون ما انتبه إنه الأستاذ مالك عم يتهكم، ويبدو أنه استطاع يقنع والده بالفكرة، وخلاه يكتب له حجاب للذكا.. وجابوا لي الحجاب حتى أشوف بعيني وأصدق!
أبو جهاد: أنا شايف إنه المدرسة بهديكة الفترة صارت متل مستشفى المجانين "العصفورية"..
كمال: كلام أبو جهاد صحيح. بدليل إنه أعضاء اللجنة التأديبية انقسموا بالرأي حول شخصية سلمون، الأستاذ مالك قال إن سلمون شخصية طريفة، والمفروض بالمعلمين والمدير والآذن يتعاملوا معه على هذا الأساس، والأستاذ تيسير قال إنه وجود هيك تلميذ في المدرسة بيفسد العملية التعليمية، وبيخلي المعلمين يعيشوا حالة عصبية دائمة، والدليل حالة التذمر اللي حكى عنها الأستاذ أبو فاروق. أكد أبو فاروق على صحة هالكلام، وقال إنه أكتر من نص المعلمين قدموا استقالتهم وكتبوا السبب: الابتعاد عن الفتى المشاغب سلمون. وتدخل رئيس اللجنة واقترح حل وسط، هو عدم فصل سلمون نهائياً من المدرسة، وبنفس الوقت إعطاؤه إجازة إجبارية بتبدا من هاللحظة، وبتستمر حتى انتهاء العام الدراسي. وجرى تكليف الأستاذ أبو فاروق باستدعاء والد سلمون وإبلاغه القرار. أبو سلمون لما تبلغ بالقرار صار يحوقل، وسحب إبنه سلمون وطلعوا من المدرسة، ولما صاروا بره قال سلمون لأبوه: طول بالك، يا ياب، وكبر ع الشيطان، وتأكد إنه الخير فيما يختاره الله، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. بتحب أقول لك السبب؟
ألقى أبو سلمون على ابنه نظرة بترمي الطير من شدة الغضب وقال له: لسه بدك تقلي السبب؟ كل هالبهدلة اللي تبهدلناها كرمى لحضرتك ولسه بدك تقلي السبب؟ تفضل إحكي، إن شاء الله بتحكي من وجع ضرسك.
ابتسم سلمون وقال: مشكلتك -يا ياب- إنك بتعصب وبتغضب، وما عاد تعرف كيف تفكر. أنا بشوف إنه اللي عملته اللجنة لصالحنا. هلق إنته صار عندك فرصة تجربني برات المدرسة، يعني بتحطني عند واحد من صحابك يعلمني صنعة، فإذا تعلمت ونجحت بتقول لحالك (بلاها المدرسة.. يلعن أبو المدرسة، يعني إذا سلمون تعلم بده يجيب لي الديب من ديله؟).. وإذا ما نجحت في المهنة بترجّعني في أول السنة اللي جاية ع المدرسة، لأنه اللجنة ما فصلتني. يعني لساتني مسجل في الدفتر عند الأستاذ أبو فاروق.
رفع أبو سلمون يده وصار يلوح بها يميناً ويساراً وقال له: حلو. بترجع ع المدرسة وكل يومين بيبعتوا لي خبر إنه تعال شوف إبنك أشو عامل! يوم بيقولوا لي إبنك سرق دفتر التفقد، ويوم بيقولوا لي إبنك جايب زميرة وعم يزمر للمفتش، وآخر شي أخد البيدون تبع الصوبيا وحط فيها بول مليان نشادر..
رفع سلمون رأسه إلى الأعلى وقال: ياب، مو هون المشكلة.
أبو سلمون: بالله؟ لكان وين المشكلة؟
سلمون: خلينا نقول إني أنا بطلت أعمل مشاكل، وصرت إتعلم، وإنجح صف ورا صف، لحتى آخد البكالوريا، وإدخل صف خاص، وأصير معلم. وفي يوم من الأيام بيجي ولد مشاغب، يعني متلي، وبيحط لرفيقه برقبته (بيسة بيسة نو)، أو بيروح مع رفيقه لعند أبو عزو وبيسرقوا له قرصين شعيبيات، وبيجي أبو عزو وبيشتكي لي، وبقول لي (يا أستاذ سلمون هادا طالبك سرق لي شعيبيات)، وأنا بعصب من الطالب وبضربه كفين أصعب من فراق الوالدين، ولا سمح الله بتجي إيدي على إدنه، والولد بيصيح آخ، وبيشيلوه ع الدكتور، والدكتور بعاينه وبيوصل لنتيجه إنه من عزم الكف انخرقت طبلة إدنه، والولد ما عاد يسمع.. بهالحالة أهل الولد راح يشتكوا علي، وأنا بهرب، هني أشو بيعملوا؟ بيروحوا لعندك ع البيت. وإنته بتكون قاعد مع مرتك الجديدة أم حمودة عم تشربوا شاي، وما بتشوف غير طبوا عليك الشرطة وسحبوك ع المخفر.. شلون هاي الشغلة بدها تنحل معك؟ ما بتنحل حتى تدفع مصاري، وبتقول لحال (يا ريتني بطلت إبني سلمون من المدرسة وما خليته يكمل دراسة ويصير أستاذ ويبعج إدن الطالب). صح يا ياب ولا مو صح؟
لم يرد أبو سلمون على سؤال سلمون، صار يشعر بقبضة يده اليمنى وهي تتقلص، ورفع قبضته يريد أن يهوي بها على وجه سلمون. ولكنه تراجع. سأله سلمون: ليش ما ضربتني؟ خفت ما تبعج لي طبلة إدني مو؟ لك اضروب اضروب، والله العظيم إذا بعجت لي طبلة إدني ما راح إشتكي عليك. أنا ما بنسى إنك أبوي اللي خلفتني وربيتني. اضروب.