الحركة الأمازيغية بالمغرب وهاجس الانتظار
تعيش الحركة الأمازيغية بالمغرب محطة مهمة في مسارها النضالي، تنتظر أن تتضح لديها معالم المرحلة المقبلة، لا سيما أن ملف تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يسير بخطا ثقيلة لكن ثابتة، وهي لحظة طبيعية في مسار أي حركة اجتماعية جديدة لها مشروع ثقافي وحقوقي وسياسي ورؤية استراتيجية شاملة.
الحقيقة أن الحركة الأمازيغية استطاعت بفضل نضال وتضحيات رجالها ونسائها أن تحقق جزءا كبيرا من مطالبها، مما حولها إلى رقم مهم في المعادلة السياسية، لدرجة أنه لا يمكن الحديث عن التغيير الديمقراطي بالمغرب دون استحضار مكانة هذه الحركة المدنية، ودفتر مطالبها في أبعاده المرتبطة باللغة والثقافة والهوية، والمجال، والحضارة.
يمكن القول إن الحركة الأمازيغية كانت من بين الداعمين الأقوياء لـ"العهد الجديد" (بداية حكم الملك محمد السادس)، حيث استبشرت فيه خيرا وأملا لنصرة مطالبها، وهو الأمر الذي تحقق، إذ لم يتأخر بدوره عن التفاعل الإيجابي مع مطالبها المشروعة والعادلة، ونتذكر ما قاله وفد من القصر الملكي (يتكون من محمد رشدي الشرايبي مدير ديوان الملك محمد السادس آنذاك، ومزيان بلفقيه المستشار الملكي، وحسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي) لفاعلين أمازيغيين (محمد شفيق وعبد الحميد الزموري وأحمد الدغرني)، بعد حدث "بيان بشأن الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب"، المعروف اختصارا بـ"البيان الأمازيغي"، حين صرح أحد أعضاء الوفد مفاده: "الملك ليس لديه مشكل مع الأمازيغية ولا يريد أن يكون له أي مشكل مع إيمازيغن". وهي الإشارة التي التقطها جيدا موقعو هذه الوثيقة التاريخية، خصوصا أن الأمازيغ عاشوا عبر التاريخ في ظل حكم السلاطين المغاربة، وعرفوا بارتباطهم القوي بملوك بلاد المغرب.
هكذا دخلت المسألة الأمازيغية مرحلة جديدة، بعد الخطاب التاريخي للملك محمد السادس بأجادير سنة 2001، وما تلا ذلك من تحولات نوعية همت بالاعتراف السياسي بالأمازيغية، والشروع في مأسستها، عبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهي تحولات جوهرية تمثل في دلالاتها وعمقها ما أطلق عليه "ربيعا أمازيغيا" هادئا عاشه المغرب خلال العشرية الأولى من الألفية الجديدة بدون توتر أو عنف، وشكل إحدى الدعامات القوية للحظة تاريخية استثنائية سيعرفها المغرب تجسدت في دستور 2011، الذي كسر الأحادية اللغوية التي ميزت دساتير المملكة منذ أول دستور للبلاد سنة 1962، ونقلنا إلى الثنائية اللغوية من خلال ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية.
من المؤكد أن هذا "الربيع الأمازيغي" هو نتاج تلاقي نضالات الحركة الأمازيغية مع رؤية استراتيجية لملك البلاد، ووعي قطاع واسع داخل الطبقة السياسية بمشروعية المطالب الأمازيغية، ذلك أن غالبية الأحزاب السياسية سارعت إلى مراجعة أطروحاتها بعد خطاب الملك محمد السادس بأجادير سنة 2001، كما أن أحزابا طالبت في مذكراتها بمناسبة تعديل الوثيقة الدستورية بترسيم اللغة الأمازيغية، وهذا المعطى مهم جدا يعكس التحول في منظور الأحزاب السياسية تجاه المسألة الأمازيغية، بالإضافة إلى عامل آخر يتمثل في طبيعة المناخ السياسي الوطني والإقليمي الذي كان له دوره الإيجابي المساعد في بلورة محطة دستور 2011.
لم يكن النضال الديمقراطي للحركة الأمازيغية مفروشا بالورود، ذلك أن ضريبته يشهد عليها التاريخ، فقد عانت هي الأخرى من سلطوية النظام السياسي وممارساته القمعية في محطات متعددة
استطاعت الحركة الأمازيغية، على الرغم من طابعها النخبوي أن تؤثر في القرار السياسي بالمغرب، وتكسب مطالبها شرعية الوجود، فقد انتقلت عبر التاريخ من محطات مختلفة، انكب نضالها في البداية على ما هو ثقافي، ثم تحول إلى ما هو حقوقي، وبعد ذلك انتقل إلى ما هو سياسي وحزبي. لم يستطع هذا الأخير أن يترجم على أرض الواقع لنخبوية الحركة الأمازيغية الفاقدة لقاعدة شعبية جماهيرية عريضة مقارنة بالحركة الإسلامية التي نجحت في خلق حزب شعبي موال لها.
لم يكن النضال الديمقراطي للحركة الأمازيغية مفروشا بالورود، ذلك أن ضريبته يشهد عليها التاريخ، فقد عانت هي الأخرى من سلطوية النظام السياسي وممارساته القمعية في محطات متعددة، والأمثلة في هذا الباب كثيرة، كما قاومت أطروحات سياسية وأيديولوجية عروبية قومية وإسلامية، منها من أنكر الوجود الأمازيغي، ومنها من ربطه بالمشرق العربي، وتحديدا دولة اليمن...!! وبالرغم من تعدد جبهات نضال الحركة الأمازيغية، فقد نجحت في إنتاج أطروحة ثقافية وسياسية تنتصر لقيم التعدد والاختلاف والنسبية والحداثة والتنوع والوحدة. وهو ما أكسبها تعاطف القوى الديمقراطية داخل وخارج المغرب، وأعطى لمطالبها مشروعية، جعلت منها حليفا قويا للعهد الجديد، ورقما مهما في معادلة التغيير الديمقراطي بالمغرب.
تعرضت الحركة الأمازيغية لهزة جديدة قبيل انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، بعد أن دخلت أحزاب سياسية، منها أساساً التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والحركة الشعبية، كل منها قدم عرضا سياسيا لاستقطاب مناضلي هذه الحركة الذين توزعوا بين هذه الأحزاب، إضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية المعروف بمواقفه السياسية الإيجابية من المسألة الأمازيغية، والتي سبق أن عبر عنها في "الكتاب الأبيض" للراحل علي يعتة. كما سبق للحركة الأمازيغية أن تعرضت لهزة مماثلة بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2002، واستقطابه مجموعة من الفعاليات النشيطة داخل النسيج الجمعوي الأمازيغي.
هذا المعطى "أفقد" بوصلة الحركة الأمازيغية التي لم تستطع أن تراجع آليات اشتغالها، وتجدد خطابها، وتعيد ترتيب رؤيتها في التعاطي مع هذه المستجدات، في أفق أن تستعيد قوتها وموقعها كحركة مدنية ديمقراطية تناضل من أجل إحلال الأمازيغية مكانتها في مؤسسات الدولة والمجتمع.