الذكاء الاصطناعي وصناعة الأفلام
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرّد خيال مستقبلي محصور في أفلام الخيال العلمي، بل أصبح بسرعة جزءًا لا يتجزأ من عملية صناعة الأفلام نفسها. فمن توليد أفكار النصوص إلى ابتكار المؤثرات البصرية الواقعية، يغيّر الذكاء الاصطناعي كيفيّة صناعة الأفلام وتسويقها وتجربتها. ولكن هذه الثورة التكنولوجية تثير أيضًا مخاوف أخلاقية يجب أن تتعامل معها صناعة السينما لضمان أن يُعزّز الذكاء الاصطناعي الإبداع البشري بدلًا من أن يطغى عليه.
أحد التأثيرات الرئيسية للذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام يكمن في قدرته على تبسيط عمليات الإنتاج، ممّا يُتيح لصانعي الأفلام التركيز على المساعي الإبداعية. يمكن للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل النصوص، وتحديد إمكانيات نجاح الأفلام في شباك التذاكر، وحتى تقديم رؤى حول تطوير الحبكة والشخصيات. يتيح هذا النهج القائم على البيانات، كما شوهد مع استخدام شركة "20th Century Fox" للذكاء الاصطناعي في تحليل فيلم "Logan"، اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أكبر في المراحل المبكرة من الإنتاج، ممّا قد يوفر الوقت والموارد.
بالإضافة إلى تحليل النصوص، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلًا في كيفيّة تصوّر وإنشاء المؤثّرات البصرية. على الرغم من الجدل حول تقنية "التزييف العميق" (Deepfake)، فقد أثبتت بالفعل إمكانياتها في تجديد عمر الممثلين كما في فيلم "The Irishman"، ممّا يقدّم بديلاً منخفض التكلفة لتقنية CGI التقليدية. ومع ذلك، تؤكد هذه التقنية على الحاجة إلى وضع إرشاداتٍ أخلاقية تحكم استخدامها، وضمان موافقة الممثلين وتعويضهم بشكلٍ عادل عن استخدام صورهم.
يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تخصيص رسائل تسويقية لجذب مشاهدين محدّدين
علاوة على ذلك، يجد الذكاء الاصطناعي مكانه في مرحلة ما بعد الإنتاج، حيث يقوم بأتمتة المهام المملّة. على سبيل المثال، يستفيد برنامج "Adobe Sensei" من التعلّم الآلي لتبسيط عمليات التحرير، ممّا يتيح لصانعي الأفلام العمل بكفاءة أكبر والتركيز على الجوانب الإبداعية لمرحلة ما بعد الإنتاج.
إعادة تخيّل التوزيع والتسويق والتفاعل مع الجمهور
يمتدّ تأثير الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد عملية الإنتاج، ليحدث ثورة في كيفية تسويق الأفلام وتوزيعها على الجماهير. مثلًا، تستخدم منصّة نتفليكس خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات شخصية استنادًا إلى سجل المشاهدة. ومع تطوّر هذه الخوارزميات، ستصبح أكثر قدرة على توقع تفضيلات الجمهور بدقة أكبر، ممّا يربط المشاهدين بالأفلام التي من المرجّح أن يستمتعوا بها، وربّما يوسّع نطاق شعبيّة الأفلام المستقلة أو المتخصّصة.
تُشير المصادر إلى أنّ الذكاء الاصطناعي قد يمهد لعصر تسويق الأفلام بطريقة شديدة التخصيص. من خلال تحليل اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيبة السكانية، وحتى ملفات التعريف النفسي للأفراد، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تخصيص رسائل تسويقية لجذب مشاهدين محدّدين. تخيّل تلقيك لمقطع دعائي لفيلم يبرز بالضبط الموضوعات أو الممثلين أو نقاط الحبكة التي تتوافق مع تفضيلاتك الشخصية للمشاهدة، وهذا هو المستقبل المحتمل للتسويق المُعتمد على الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما.
تثير استخدامات "التزييف العميق" وإمكانية إعادة خلق الممثلين المتوفين رقميًا مخاوف بشأن الموافقة والتعويض والإمكانيّة لاستغلال صورة الممثل دون مشاركته
التنقل في المشهد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام
على الرغم من الفوائد المُحتملة للذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، فإنّ الآثار الأخلاقية لهذه التكنولوجيا، خاصة في ما يتعلّق بالممثلين، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. تثير استخدامات "التزييف العميق" وإمكانية إعادة خلق الممثلين المتوفين رقميًا مخاوف بشأن الموافقة والتعويض والإمكانيّة لاستغلال صورة الممثل دون مشاركته. ويُسلّط الإضراب الذي قامت به نقابة "SAG-AFTRA" الضوء على هذه المخاوف، مشدّدًا على الحاجة إلى وضع إرشادات واضحة ولوائح تحمي حقوق وسبل عيش الممثلين.
اعتبار أخلاقي آخر يتمثّل في احتمال أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ الوظائف البشرية في صناعة الأفلام. فمع ازدياد قدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ المهام التي يؤدّيها البشر عادة، مثل التحرير أو حتى التمثيل، هناك خطر بفقدان الوظائف. يجب على صناعة السينما إيجاد طرق لدمج الذكاء الاصطناعي بمسؤولية، لضمان أنه يكمل المواهب البشرية بدلًا من استبدالها تمامًا.
مستقبل الأفلام: تعاون بين الإنسان والآلة؟
يشير الاستخدام المُتزايد للذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام إلى حدوث تحوّل كبير في هذه الصناعة. ومع استمرار تطوّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من المُحتمل أن يصبح دورها في الأفلام أكثر بروزًا، ممّا يوفّر إمكانيات مثيرة وتحدّيات معقدة. يعتمد مستقبل صناعة الأفلام على إيجاد توازن متناغم بين الإبداع البشري والابتكار التكنولوجي، لضمان أن يُمكّن الذكاء الاصطناعي صنّاع القصص من دفع الحدود الإبداعية مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية وصون الفن الذي يشكّل جوهر السينما.