الرجل الذي لا يحب حافيييظ
- أي يا أبو الجود. ما بدك تحكي لنا عن حب وجع الراس اللي كانت تشربه المرحومة والدتك؟
تلقائياً، رفع أبو الجود يده إلى ندبة صغيرة موجودة في جبينه، تحسسها بسبابته، وقال: بحكي. ليش ما إحكي؟ أصلاً نحن منجي عالسهرة حتى ناكل ونشرب ونحكي، وبما أنُّه أبو ماهر تْكَرَّمْ علينا بـ عَشَا لذيذْ، وجاب لنا شاي تقيل، صار واجبنا نحكي. ومتلما بيقولوا في الأمتال (الحكي ما عليه رسوم وجمارك).
قال أبو جهاد: يا ريت لو كان الحكي عليه رسوم وجمارك. كنا منضمن إنك يا أبو الجود تبقى ساكتْ متل تمثال أبو الهول، لأنه ما معك تدفع الرسوم.
قال أبو الجود متجاهلاً ملاحظة أبو جهاد: أنا ما فيني أخَجّلْ الأستاذ كمال وراح إحكي لكم عن حب وجع الراس. ولاد ضيعتنا الموجودين هون بيعرفوا إني طولْ عمري ما اشتغلتْ بالسياسة، ولما بكونْ في مجلس وبينفتح حديث إِلُه علاقة بالسياسة كنت أعملْ تثاؤُبْ متل صيحات عناصرْ الصاعقة عااااا، وإطلع من المجلس بدون استئذانْ.. وبعدما اسْتَلَمْ حافييظ الأسد السلطة، صرنا نسمع كل فترة إنه المخابرات انْفَلَتُوا بالليلْ عـ بيوتْ الناسْ متلْ الكلابْ الجعارية، وأخدوا شباب من بيوتهم.. وكنا نسأل عن السبب، ويجينا الجواب إنه هدول إما ناصريين، أو شيوعيين، أو إخوان مسلمين، أو من جماعة بعث العراق. يعني شغل سياسة. أنا بوقتها كنت إضحك بعبي وأقول: الحمد لله يا ربي إنك خَلّيتني إبغضْ السياسة، وقَدّْ ما صارْ اعتقالات أنا ما دخلني.. وإذا حافييظ بيحكم سورية مية سنة ما حدا بيقرب عليّ ولا على عيلتي.
قلت: مع احترامي إلك يا أبو الجود. حديثك ذكرني بقصة للكاتب التركي عزيز نسين ترجمها صديقنا الراحل عبد القادر عبدللي ونشرها ضمن مجموعة قصصية عنوانها "في إحدى الدول".. القصة بتحكي عن مسابقة للحيواناتْ أَمَرْ ملكْ إحدى الدولْ بتنظيمها.. وكان يجي كل حيوان ويعرض على الملك مآثره وخدماته للمملكة، ويطالب بإعطاؤه الجائزة لقاء هالخدمات، وبالأخير شَرَّفْ الحمارْ، وقال للملك:
- نحنا، أنا وزملائي الحمير، السببْ في استمرارْ حكمك، لأنه مناكل ومشرب ومنشيلْ أحمالْ وما منعترضْ على أي شي..
فصفق الملك وقرر منح الجائزة للحمار!
قال أبو الجود: أنا موافق على التشبيه. ووالله كنت في هديكه الأيام راضي بإني إنحسب على الحمير، وكنت قول لأم الجود: مية كلمة حمار ولا يقولوا أبو الجود أخدوه المخابراتْ (يا خديجة)!.. لكن تبينْ إنه عند حافيييظ هادا الموضوع ما بيمشي.. وفي ليلة من الليالي، كنتْ متخانقْ مع أم الجودْ، وتاركْ غرفة النومْ، ومتسطحْ قدامْ بابْ الدار، وإذ بسمع خبط ع الباب، لو أنك جمعت عشرين حمار، وخليتهم يخبطوا ع الباب، ما كانوا خَبَّطُوا متل تخبيط عناصر المخابرات على باب داري، والكل عم يصيحوا: افتاح ولاك عبد الجواد، افتاح أحسن ما نكسر الباب.. ولما فتحت الباب حسيت كأنه في حيطْ وقعْ عَلَيّ.. لأنه أكتر من خمس دواب نزلوا علي وصاروا يخبطوني، ويصيحوا ولاك ولاك عم تتآمر عَ السيد الرئيس ولاك؟.. ولاك هاد السيد الرئيس بيشرفك وبيشرف أهلك وعيلتك.. وبلشوا يشحطوني لحد ما وَصَّلُوني عَ السيارة، وخلوني إطلع والرفس شغال فيني. المهم، بلا طول سيرة، أخدوني ع الفرع، وضربوني فلقة ضمن الدولاب، ومضيت شي أسبوع كل يوم قتلة، بعدين استدعاني رئيس الفرع، وكانت إضبارتي قدامه، عم يقراها ويرفع حواجبه لفوق ويصفر من الدهشة، وأنا عم طلع فيه وماني مصدق حالي. كأنه توصل إلى أني خاربْ الدنيا أو عاملْ انقلابْ على حافيييظ.
قال أبو محمد: وأشو طلعتْ التهمة تبعك؟
قال أبو الجود: تبين إنه في تشابه أسماء بيني وبين واحد اسمه متل اسمي (عبد الجواد محمد المحمود). قال هادا عضو في حزب العمل. أنا قلت للمحقق: هاي أول كذبة، المتهم بيشتغل بحزب العمل، وأنا طول عمري عاطل عن العملّ قال لي: اخراس ولاك كر. فخرست. بعدين رفعت إيدي متل تلميذ مهذب وقلت للضابط:
- أستاذ، أشو شغلته هادا الرجال المتهم اللي إسمه متل إسمي؟
قال لي صيدلي. هون أنا ضحكت. ولما ضحكت خبطني بالخرازة على جبيني والخرازة نزلت هون (أشار لجبينه).
قال كمال متشوقاً: وليش بقى ضحكت؟
قال أبو الجود: بعدما ضربني هوي سألني نفس السؤال. قال لي: ليش ضحكت ولاك؟ قلت له: أنا ما بعرف من الصيدلة غير حب وجع الراس التي كانت أمي تشربه، وكان راسها بعدما تشرب الحباية يشفى، لاكن يطلع لها طفح جلدي، وتبلش تحكّ وتهرش، وكانت تدوب سبيداج وتِدْهُنْ الطَفَحْ حتى يتوقف الحك والهرش. وألله وكيلك (يا أستاذ) أنا ما بعرف من الصيدلة غير هاد الحب والسبيداج!