الشاعر الذي يتعامل مع المخابرات
قال الأستاذ كمال إن وجود حالات مَرَضِيّة في الوسط الأدبي أمر ضروري جداً. وأوضح فكرته بالتأكيد على أن وجود مثل هؤلاء الأدباء المخبولين الـ (وَشَّاشين) يكسر روتين الحياة، ويعطيها طعماً فكاهياً محبباً.. وهؤلاء، من جهة أخرى، يصنعون مواقف مضحكة يمكن أن نتحدث عنها في جلساتنا العامرة مثلما نفعل الآن.
قال الأستاذ عبد العزيز: ولكن حظنا، نحن أدباء إدلب، لم يكن على ما يرام، فقد ابْتُلِينا برجل يدعى "فلاناً الفلاني"، وَشّيش، ولكنه لا يمتلك أي نوع من الفكاهة، وإنما العكس، فاللؤم وحب الأذى ينقطان من وجهه المكفهر على طول الخط.. وحقيقة أننا لم نكن نعرف لحقده علينا سبباً سوى ضعف الموهبة والغيرة..
قال أبو نادر: كلام الأستاذ عبد العزيز صحيح. وأنا شخصياً عرفت هذا الشخص لأول مرة في أحد المهرجانات الأدبية. كان واقفاً عند الباب الخارجي لصالة الخنساء في إدلب يتبادل الوشوشة والهمس مع اثنين من الشبان أحدُهم هو جاري المساعد أول في الأمن العسكري، والثاني لا أعرفه، وبعدها دخل إلى الصالة دخول الفاتحين. وحقيقة أنا لم أكن أعرف شيئاً عن ميوله الأدبية، لذلك استغربتُ وجودَه في هذا المكان أصلاً.. ولكن أحد الأصحاب أعلمني أنه سيكون عريفاً للحفل، وبالفعل، صعد فلان، بعد قليل، إلى المنبر وهو يرفع رأسه إلى الأعلى ويدفع وسطه إلى الأمام، والغضب ينبع من وجهه، وبعد عدة نقرات على الميكروفون، تأكد أنه يعمل، فنظر إلينا كما ينظر الزوج إلى أبناء زوجته الذين خلفتهم من زوجها المرحوم، وصاح بنا صيحة تشبه صيحات المغاوير بعبارة: أيها الإخوة المواطنون، أيها الرفاق، يا أهالي إدلب الخضراء، يا أحفاد خالد بن الوليد وإبراهيم هنانو وأبي العلاء المعري، إن هذا ليوم تاريخي، يوم للعزة والسؤدد والكبرياء، يوم لليَراع والقلم، يوم ينطبق عليه قول شاعرنا العربي العظيم: تكلم السيفُ فاصمتْ أيها القلمُ.. يوم يحتفل فيه الأدباء الصناديد بالذكرى الثالثة والعشرين للحركة التصحيحية المباركة التي فجرها القائد العربي الكبير حافظ الأسد!
ههنا ضحك أبو نادر وقال: عندما قال فلان الجملة الأخيرة اتجهت أنظارُنا بشكل تلقائي إلى مؤخرته لاعتقادنا أنه سيَخْرُج منها- من شدة العزم والاندفاع- شرارات نار مع سحابة دخان!
تدخل العم أبو محمد وقال: أنا بدي أختلف معكم بالرأي. صحيح أنه هالرجل مؤذي، ويمكن يكون سَبَّبْ لكم كتير من الضرر، بس أنا بتوقع أن شخصيته طريفة. بالله احكوا لنا قصته من أولها.
قلت: أنا أؤيد فكرة العم أبو محمد. وسأحكي لكم قصته. يا سيدي، كان والده "أبو فلان" مسافراً من دمشق إلى حمص في بولمان تابع لشركة "الكرنك"، وكان يجلس بجواره رجل ذو هيئة أكابرية، فأحب التعرف عليه، وبسهولة، ومن خلال بضعة أسئلة، عرف أنه أديب، وعضو بارز في اتحاد الكتاب العرب. فقال له: والنعم منك ومن الكتاب العرب يا أستاذ. فيني أطلب منك طلب صغير؟
قال الكاتب: تفضل.
قال أبو فلان: أنا، محسوبك، من محافظة إدلب. عندي ولد اسمه "فلان"، الله يخلي أولادك، يحب أمرين، الأول هو كتابة الشعر، والثاني هو التعرف على ضباط المخابرات.. يعني إذا ما فيها تعب لجنابك، يا ريت تساعدنا وتخلي ابني يدخل في اتحاد الكتاب، عسى أن ينشغل بالشعر والأدب ويبتعد عن جماعة المخابرات، المشكلة يا أستاذ أن صحبة رجال المخابرات لا يأتي منها غير الضرر.
قال الأديب: تكرم عينك.
(ملاحظة: في التدوينة اللاحقة أحكي لكم عن تفاصيل انتساب الشاعر المُخْبر فلان إلى اتحاد الكتاب العرب).