الشقي سلمون يفرح بخطوبة أبيه
حكى لنا الأستاذ كمال -في مطلع سهرة "الإمتاع والمؤانسة"- عن المشاجرة التي افتعلها الفتى الشقي سلمون ورفيقُه الأشقى أحمدوني مع بائع حلوى الشعيبيات الحاج ناعس. سبب وقوع المشاجرة أن الولدين الشقيين الحقيرين سرقا للحاج ناعس قرصي شعيبيات، ولدى التهامهما تبين لهما أنهما محشوان بالقريشة، بينما ناعس كان ينادي على الناس زاعماً أن شعيبياته محشوة بالقشطة!
قالت أم زاهر متهكمة: ضمير سلمون وأحمدوني ما بيقبل الغش، حتى لما بيسرقوا شغلة لازم تكون مظبوطة، ومطابقة للمواصفات!
قال أبو الجود: منيح ما اشتكوا على الحاج ناعس لدورية التموين وخلوها تكتب بحقه مخالفة غش وتدليس!
كمال: ومتلما حكيت لكم؛ هالولدين الحقيرين راحوا صاروا يزعقوا ع الحاج ناعس (يا غشاش يا قليل الوجدان) لحتى تجمعوا الناس حواليهم، وبعد جدل وأخد ورد عَصَّب الحاج ناعس وسحب العصاية وضربهم فيها، وبالنسبة لسلمون أجاه ضرب عصاية في جبينه، ونبقت له كتلة منسميها نحن أهل إدلب "فَنَّانة" وبيسميها أهل حلب "بعجورة"، وبيسميها أهل الشام "نبّيرة"، ولما سألُه أبوه (أشو صاير معك ولاك حمار؟)، طلب منه يعطيه خمس دقايق ريثما يغسل وجهه وبعدين بيحكي له القصة على رواق. والحقيقة إنه مو هادا هوي السبب، سلمون طلب مهلة لحتى يفكر بكذبة محبوكة بشكل متقن، منشان إذا رواها لأبوه يقتنع فيها، الهدف يظهر قدام أبوه بمظهر المظلوم المغرر فيه، حتى ما يغضب ويضربه ويخلي "فنانة" تانية تنبق في راسه.
مرت حوالي دقيقة صَمْت بين الأب والإبن. وبعدها تحرك سلمون، بدون أي تعليق، جاب المكنسة وصار يكنس البلور المكسور، والتفت على أبوه وقال له: شوف يا حجي، أنا متعود إحكي الحقيقة
قال سلمون لأبوه: ياب، أنا بدي إحكي لك كيف طلعت لي الفنانة في جبيني، بشرط إنك ما تزعل مني.
أبو سلمون (مندهشاً): ليش بدي إزعل منك؟ أنا أشو دخلني بالموضوع؟
سلمون: ياب، لأنك إنته محرّم عليّ إني أجيب سيرة الأرملة أم حمودة، وقلت لي مبارحة إنك بطلت تخطبها.. بس.. بصراحة؟ المشكلة كلها صارت بسببها.
استدارت عينا "أبو سلمون"، وبدأ الغيظ يعتمل في داخله وقال: أوعى تكون رحت لعند أم حمودة وحكيت معها.. ترى والله العظيم بقتلك، وبدفنك في جبانة الحلفا، وبعدما إدفنك بروح وبسلّم حالي للمخفر وبقول لهم أنا قتلت إبني.. إحكي لأشوف. أيش علاقة أم حمودة بالموضوع؟
سلمون: مشكلتك ياب إنك بتستعجل الأمور، وبتبكي قبلما تنضرب. أم حمودة ما إلها علاقة مباشرة بالقصة. خيو، أنا كنت رايح على ساحة الخضار، قصدي الساحة التحتانية. مو بتعرف دكان بياع اللبن "الحاج محمد الدليل"؟
قال أبو سلمون: بعرفها.
سلمون: إذا بتلف على إيدك اليسار وبتطلع من سوق الخانات، على إيدك اليمين في بياع صابون من بيت "قرة محمد"، وجنب بياع الصابون في واحد فتح محل بيبيع شعيبيات وحلاوة الجبن. أنا لما شفته خطرت إنته على بالي.
أبو سلمون: وليش بقى أنا خطرت على بالك؟ بتعرفني بحب الشعيبيات وحلاوة الجبن؟
سلمون: لأ. بس يا ياب أنا قلت لحالي بعمل لك مفاجأة، بشتري شعيبيات وحلاوة الجبن وبمر على بيت خالتي أم حمودة، وبعطيها اياهن وبخبرها إنه بدنا نجي الليلة أنا وإنته نسهر عندهم. وإذا قالت لي (أشو المناسبة؟)، بقول لها: لا تخافي خالتي أم حمودة، كل شي بإذن الله راح يكون على سنة الله ورسوله.
لما وصل سلمون بحديثه لهاي النقطة انبطح أبو سلمون ع الأرض وصار يزحف لحتى وصل للعتبة وشال فردة الجاروخ الديري نمرة 46 وشلفه فيها لسلمون، وسلمون كان واعي للأمر، فبَعَّدْ عن طريق فردة الجاروخ فتابعت طريقها إلى الخزانة الزجاجية فتكسر البلور ونزل ع الأرض.. ومرت حوالي دقيقة صَمْت بين الأب والإبن. وبعدها تحرك سلمون، بدون أي تعليق، جاب المكنسة وصار يكنس البلور المكسور، والتفت على أبوه وقال له: شوف يا حجي، أنا متعود إحكي الحقيقة، وما بحب الكذب، إنته إذا بتكره الصدق والحقيقة ليش بتطلب مني إحكي؟ خليني ساكت أحسن. إذا بدك تسمع القصة للأخير وتعرف كيف طلعت لي الفَنّانة في جبيني، لازم تبقى ساكت، وما لازم تضرب بالشحاطة أو بالجاروخ. طيب هاد البلور اللي كسرته أيش ذنبه؟
نفخ أبو سلمون وقال: كمل.
سلمون: سألته أنا لبياع الحلويات، يا ترى هاي الحلاوة بأيش محشية؟ قال لي إذا بدك ياها محشية روح اشتري قريشة من عند الحاج ناعس، وجيب القريشة لهون وأنا بحشيها وبعطيك اياها. رحت لعند الحاج ناعس اللي بيبيع شعيبيات ع العربانة. سلمت عليه وقلت له أنا سلمون ابن أبو سلمون، بدي إشتري من عندك نصف كيلو قريشة لأنه أبوي عنده مناسبة. سألني: خير؟ أشو عنده أبوك؟ قلت له: عقبال فرحة ولادك بدنا نخطب له ونجوزه. قال لي: والله فرحتني، أبوك بيستاهل كل خير. قلت له: بتسمح لي أدوق القريشة؟ لأني بصراحة بخاف تكون مغشوشة. ومديت إصبعي وأخدت شقفة وحطيتها بتمي ودقتها. قلت له يا حاج ناعس إحكي الصدق أنت رجل صاحب دين وأخلاق، هالقريشة مغشوشة ولا لأ؟ فقام عصب علي وصار يصرخ لحتى تجمعوا الناس علينا وصار ويقول لي: يا إبن الكلب، هيي قريشة، بأيش بدي أغشها؟ يعني بخلطها بقشطة؟ أنا، ياب، متلما بتعرفني، ما بسكت عن حقي، قلت له إنته كاتب عليها إنها قريشة حليب، إذا بدك تغشها بتخلطها بقريشة جبنة. قال لي طيب، بسيطة، أنا هلق راح فرجيك وإثبت لك إنها قريشة حليب، ومد إيده لتحت وما أشوف غير ساحب علي عصاية وخبطني فيها ع جبيني. قسماً بالله يا ياب إنه غيب صوابي، لمست جبيني لقيت نابقتلي فنانة. في هاللحظة الناس زعلوا منه وواحد منهم قال له إنته يا حاج ناعس مو بس غشاش، كمان مجرم. مو حرام عليك تضرب هالطفل البريء اللي جاية يشتري قريشة حتى يفرح بخطبة أبوه للست أم حمودة؟
أبو سلمون (مغمضاً عينيه): حسبي الله ونعم الوكيل. خلصت؟
سلمون: لسه ما خلصت. بتعرف الواطي ناعس أيش عمل؟ شال العصاية وضربه للرجل اللي دافع عني. هون أنا تركتهم عم يقتلوا بعضهم وهربت. ياب، بدي إسألك سؤال. هلق إذا منروح منخطب أم حمودة من دون ما ناخد معنا حلويات بتوافق عليك وبتتزوجك؟!