العراق وانعدام التخطيط
إنّ ما تشهدهُ دول المنطقة من تطوّرات تنموية يدل على تخطيط استراتيجي بعيد المدى، جرت هيكلته منذ سنوات سابقة. وهذا التخطيط ناجم عن معرفة هذه الدول لحجم التحدّيات التي تُواجهها أو ستواجهها في المستقبل.
ولأنّ التطوّر التكنولوجي الذي يشهده العالم، قد يُلغي أو يخفّف دور البترول في طبيعة الحياة المستقبلية، اندفعت الدول المصدرة للبترول إلى التفكير في موارد بديلة والتخطيط للمستقبل برؤية واضحة، كي تقف جنباً إلى جنب مع دول العالم في التحديات التي تتقدم من جهة، وكي تواجه عالمنا، من كوارث طبيعية وتغيّرات مناخية وحروب.. من جهة ثانية. وهذا كله ناجم عن ضرورة أخذ جميع الأمور التي تواجه العالم بجدية تامة، لأنّ في هذا ضرورة لعمل رؤية صحيحة للمستقبل، بما يتناسب مع التغيّرات التي تواجه العالم من جميع النواحي التحتية.
وبعد سلسلة الحروب والمآسي التي عصفت بالعراق، بدءاً من الاحتلال الأميركي، مروراً بالحرب الأهلية، وصولاً إلى الحرب مع "داعش"، لم تشهد الدولة العراقية أيّة تطوّرات تنموية، وخاصة على مستوى البنية التي دمرتها الحروب المتوالية. وفي الآونة الأخيرة، أهملت الدولة وضع أيّة خطط استراتيجية ورؤية للمستقبل بما يتناسب ويتواكب مع التطوّرات التي تشهدها المنطقة والعالم بشكل عام. فمنظومة الدولة في العراق قائمة على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية، وتتشكل موازنة الدولة من الأموال الواردة من تصدير البترول، ومن ثمّ تُقسّم على وزارات الدولة، والتي تشهد أكبر عمليات الفساد على مستوى العالم.
وهذه المنظومة تشكّل خطراً كبيراً يواجه العراق في السنوات المقبلة، ومع استغناء العالم عن البترول، وهو أمر قد يكون في السنوات القادمة، خصوصاً مع التطوّر الكبير التي يشهدهُ العالم، قد يواجه العراق خطر الإفلاس والمجاعة، جرّاء انعدام أو غياب التخطيط. والتخطيط هنا لا يشمل فقط، المستوى الاقتصادي، بل البيئي والسياسي والصحي وغيرها من المستويات.. فالزيادة السكانية التي يشهدها العراق في الفترة الأخيرة مثلاً، تدق ناقوس الخطر، مع وجود إحصائيات تتوّقع وصول عدد سكان العراق إلى حوالي خمسين مليون نسمة، وهو رقم مرشح للزيادة، لنكون أمام احتمال زيادة سكانية غير مخطط لها، إذا لم تضع الحكومة أيّ خطط لمواجهتها أو التوعية بشأنها. ففي العاصمة بغداد وحدها مثلاً، يعيش أكثر من 10 ملايين إنسان، في حين أنّ هناك بلداناً يبلغ عدد سكانها الإجمالي 8 ملايين نسمة.
قد يواجه العراق خطر الإفلاس والمجاعة جرّاء انعدام أو غياب التخطيط
ومع هذه الزيادة السكانية يتطلب الأمر تنوعاً في سبل النقل، كالمترو والباصات والقطارات، ناهيك عن إنشاء الجسور الرابطة بين المناطق والمدن المختلفة. إلا أنّ هذا الأمر لم يرد أيضاً في رؤية وتخطيط الحكومة، فلا تزال الطرق في العراق تحصد أرواح المدنيين يومياً، وبمعدلات مرتفعة، بسبب تضرّرها، وعدم وجود صيانة دائمة لها، وعدم إخضاعها للقوانين المرورية المعمول بها في العالم، ما يساهم في وجود مستويات قياسية في أعداد الضحايا. كما يغيب عن غالبية الطرق الأسيجة الواقية والدلالات والإشارات، مع استثناءات محدودة، خصوصاً الطرق السريعة الرابطة بين معظم المدن العراقية.
وبحسب وزارة الإعمار والإسكان، فإنّ العراق بحاجة إلى نحو 1500 كيلومتر من الطرق داخل المحافظات وخارجها، فيما أوضحت أنّ البلاد تحتل مرتبة متأخرة عالمياً في جودة الطرق.
إذاً، هناك عوامل عدة ومظاهر تحول دون تمكين العراق من التركيز على "التخطيط التنموي الشامل"، منها غياب القانون الملزم للجميع، واستمرار فوضى السلاح غير المسيطر عليه من قبل الدولة وتأثيراته على الحالة الأمنية بشكل عام. وهذه الفوضى التي يشهدها العراق في كلّ مفاصل الدولة وجميع مؤسساتها لا تنبئ إلا بمستقبل قاتم، لأنّ غياب التخطيط الاستراتيجي، أدى إلى غياب كلّ ما يؤدي إلى تطوّر ونهضة البلد وتقدمه والارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة. كما أنّه يساهم في غياب التعليم وتكوين أجيال تأخذ بهذا البلد وتطوره.
وفي النهاية يمكن القول، إنّ الحكومة العراقية والحكومات في بلدان العالم أجمع، هي نتاج الشعب، ما يعني أنّنا لم نستورد هذه الحكومة من الخارج، بل هي تعبّر بطريقة أو بأخرى عن توجهات وأفكار ووعي الكثير من أبناء الشعب. وعليه، فلا بدّ للشعب أولاً، أن يعي ويدرك التطوّرات التي تجري في العالم ويتفاعل معها ويعطيها الأهمية، ليساهم بالتالي في وعي الحكومة لأهمية التخطيط الاستراتيجي والرؤية الصحيحة.