المبعوث الأممي وقضية الصحراء
يُعدُّ إرسال مبعوث أممي لمناطق النزاع والصراعات المسلّحة أمراً رئيسياً، كإحدى أدوات الأمم المتحدة للتعاطي مع تلك النزاعات ومحاولة تسويتها. وتاريخياً، كانت منطقة الشرق الأوسط ضمن الساحات الأساسية لعملِ المبعوثين الأمميين، حيث أرسلت الأمم المتحدة السويدي فولك برنادوت كأوّل مبعوث أممي أو وسيط للمنطقة عام 1948، بهدف بحث تسويةِ الوضع المستقبلي لفلسطين، ومنذ ذلك الحين تَوافد على المنطقة عددٌ كبيرٌ من المبعوثين.
إنّ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة شخصية مهمة، ويكون عادةً ممن سبق لهم ممارسة وظائف سياسية أو دبلوماسية. ويقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين مبعوثه الشخصي من أجل العمل مع أطرافِ النزاع، المغرب والبوليساريو وبلدان الجوار، بما في ذلك الجزائر وموريتانيا، حتى وإن كانت الجزائر في الواقع طرفًا في النزاع، وبلدان أخرى معنية أو مهتمة بهذا الموضوع، على غرارِ الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء الصحراء، وذلك من أجل الوصول إلى حلٍّ سياسيٍ، عادلٍ ودائم، وفقًا لقراراتِ مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
لدى المبعوثين الشخصيين صلاحيات محدّدة في تقديم الحلول للصراع في الصحراء، إذ يقوم المبعوثون الشخصيون بتمثيلِ المنظمات، أو الدول في مفاوضات السلام، أو بالتوّسط في حلِّ النزاعات. عادةً ما يتم اختيار المبعوثين الشخصيين بناءً على خبرتهم وكفاءتهم في التفاوض والتواصل مع الأطراف المتنازعة، ويتم تكليفهم بمهمةِ تسهيل التوصل إلى اتفاق يُنهي الصراع أو يجد حلولًا مستدامة للقضايا المثارة. وفي النهاية، يُعتبر دور المبعوثين الشخصيين أساسيًا في تحقيقِ السلام والاستقرار في المناطق المتضرّرة من النزاعات.
يُعتبر دور المبعوثين الشخصيين أساسياً في تحقيق السلام والاستقرار في المناطق المتضرّرة من النزاعات
منذ أكثر من 33 عامًا ترابط بعثة تابعة للأمم المتحدة في الصحراء، وتحوّلت بمرور الوقت إلى أكثرِ البعثات الدولية إثارةً للجدل وغموضًا بشأن المهمات المُوكلة إليها، دون أن يظهر في الأفق ما يُزيل هذا الغموض أو ما يؤشر إلى إزالته، ودون أن يتضح ما إذا كان هناك أيّ توّجه لإنهاءِ مهمتها، نجاحًا أو فشلًا.
كما أنّ جلّ هؤلاء المبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة توّرطوا بهذا القدر أو غيره في مهمتهم الدبلوماسية، واتُهموا من هذا الطرف أو ذاك بالانحياز، وجُلّهم انتهوا إلى الاستقالة، ولم يستطع أيّ منهم النجاح في مهمته.
وقد بدأت تلوح نذر أزمةٍ بين المغرب والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا على خلفيةِ الزيارة غير المسبوقة التي قام بها، الأربعاء 31 يناير/ كانون الثاني 2024، لجنوب أفريقيا، استجابةً لدعوة من حكومتها لمناقشة قضية الصحراء.
السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال عبّر بشدّة عن رفض الرباط للزيارة، محذرًا من تداعياتها على العملية السياسية، وعلّل الموقف بعدمِ استشارة المغرب، أو حتى إبلاغه، وذكّر بالمعايير التي تحكم مهمة المبعوث الأممي، كما تنص على ذلك رسالة تعيينه، أي العمل حصرًا مع الأطراف المعنية بالعملية السياسية، وفي إطار قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، ومن بينها القرار 2703 بتاريخ 30 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وهي القرارات التي لا تُشير البتة إلى جنوب أفريقيا، وبالأحرى إلى أيّ دور أو مساهمة مزعومة لهذا البلد في العملية السياسية. كما أنّ "المغرب لن يسمح أبداً بأن يكون لجنوب أفريقيا أي دور في قضية الصحراء المغربية"، لافتاً إلى أنّ بريتوريا "كانت ولا تزال تكنّ الضغينة لقضية الصحراء المغربية".
ترابط بعثة تابعة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية منذ أكثر من 33 عاماً، وتحوّلت بمرور الوقت إلى أكثر البعثات الدولية إثارةً للجدل وغموضاً
المبعوث الشخصي المكلّف بحلِّ قضية الصحراء، يجب أن يتمتّع بعدّةِ سماتٍ ليكون فعالاً، منها:
- (1): الحيادية: يجب أن يكون المبعوث محايداً وغير متحيّز لأي طرف.
- (2): القدرة على التواصل: يجب أن تكون لدى المبعوث مهارات تواصل عالية للتفاوض وبناء الجسور بين الأطراف المتصارعة.
- (3): المعرفة العميقة: يجب على المبعوث أن يكون على دراية واسعة بالقضية والتاريخ والثقافة المحلية (خصوصيات منطقة الصحراء، سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، وجغرافيًا).
- (4): الصبر والإصرار: يجب على المبعوث أن يكون صبوراً ومصمّماً على مواصلة الجهود حتى تحقيق الحل المستدام.
- (5): القدرة على التفاوض: يجب أن تكون لدى المبعوث مهارة في التفاوض والتسوية للوصول إلى اتفاقٍ مقبول لجميع الأطراف. وسبق للجزائر أن اتهمت، في إبريل/ نيسان 2008، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلّف بملف الصحراء بيتر فان فالسوم بأنّه منحاز لأطروحة المغرب حول مبادرة الحكم الذاتي عندما صرّح أمام مجلس الأمن بأن "استقلال الصحراء الغربية ليس خياراً واقعياً".