المجنون فريد ابن أبو خلّو (14)
قلت، في مطلع سهرة الإمتاع والمؤانسة، إن قرار العم أبو خلو بإبقاء ابنه المسطول "فريد" مسجوناً في غرفته لم يكن صائباً، فلو أنه اصطحبه معه إلى قطاف الزيتون لكانت الأضرار التي يمكن أن تلحق به أقل من هذا بكثير.
قال أبو ماهر: أنت، يا أبو المراديس، حكيت لنا إنه "فريد" استفز مساعد أول في المخابرات إسمه هُمام، وخلاه يغضب ويدق الباب بإيديه ورجليه، والسيدة أم خلو خافت كتير. طيب، شو صار بعدين؟
أبو المراديس: يا سيدي، هادا الحقير همام صار يصرخ في وجه السيدة أم خلو، وأمرها تفتح باب غرفة الولد اللي تمسخر عليه وقال له (طز بيلبق لك)، وتجيبه لهون حتى يمسح فيه الأرض، ويخليه يتندم ع الحقارة تبعه. الست أم خلو حاولت تستدر عطفه، قالت له: لك إبني، اسمع مني، أنا في مقام والدتك، هادا الصبي اللي جوة إبننا فريد، عقلاته على قده، يعني تقريباً مجنون، وإذا كان غلط معك أنا بعتذر عنه، سامحه الله يوفقك.
همام: الله لا يسامحني إذا ما خليته يبوس صباطي قدامك إنتي. لكان يقلي (طز بيلبق لك)؟ افتحي عما أقلك.
أبو المراديس: راحت أم خلو باتجاه غرفة النوم، جابت المفتاح من تحت المخدة، ورجعت، ودخلت على غرفة فريد، وفتحت وهيي عم تهمس في إدنه، وتوصيه إنه لما يصير في أرض الديار يعمل حركة ويتعربش ع السور ويهرب ع الزقاق، لأن هيي ما بتتحمل تشوف عنصر المخابرات عم يضربه قدامها.. فريد ضحك وقال لأمه: هوي بده يضربني؟ طز بيلبق لُه!
علاء: شغلته بسيطة، إنت إذا حدا دق عليك الباب، وطلب منك المسدس، قله إن إبنك فريد جابه لعندي. وأنا بتصرف
وطلع بسرعة، وركض باتجاه أرض الديار، ولما شاف "طشت الغسيل" مليان مياه وسخة فرح كتير، وشال الطشت بسرعة ورشقه على وجه همام.. مياه الغسيل طرشت في عيون همام، وعلى تيابه، ونزلت ع الأرض، ولما حاول يمشي زحط، ووقع على طوله، هون فريد ركض عليه، وصار يدوس عليه برجليه.. وهمام يصيح، وأم خلو تولول وتقول لفريد (الله يخليك اتركه).
همام مد إيده على خصره وسحب المسدس، ورفعه لفوق حتى يخوف فريد، أو يقوصه، لكن فريد مسك المسدس وأخده من إيد همام بكل سهولة، وحطه في جيب بنطلونه، وفتح باب الدار وصار يدحرج جسم همام ع الزقاق اللي كان فيه أكتر من عشرين شخص متجمعين وعم يسمعوا أصوات الصراخ، ووقتها انحنى فريد، وسحب همام من إيديه، لحتى وقف على رجليه، ودفعه في ظهره وهو يقول له: طز بيلبق لك. يا الله روح لعند أمك.
همام، بدوره، مشي مكسور الخاطر، والموجودين في الزقاق كانوا في منتهى الاندهاش.
أبو محمد (متشوقاً): أي؟ وأيش صار بعدين؟ خايف ما يعلق أبو خلو بإيدين المخابرات من تحت راس فريد.
أبو المراديس: نظرياً، كان المتوقع إنه همام يغيب ساعة زمان، ويجيب دورية من الفرع، ويرجع ع الحارة، ويحاصر الدار، ويحاول يذل فريد وعيلته، لكن المشكلة الأساسية بالنسبة لهمام صارت استعادة المسدس من فريد، لأن إذا رئيس الفرع عرف إن حدا شَلَّحه الفرد، أكيد راح يحلق له شعره ع الصفر، ويحيله ع القضاء العسكري، وممكن يسجنه، وبعدين يسرحه، ولذلك ما استرجى يعمل شي بهالخصوص.
أم الجود: طيب وأبو خلو؟ ما عرف باللي صار؟
أبو المراديس: طبعاً عرف. لما رجع هوي وخليل وأحمد والبنات من الشغل، تفاجأوا بأم خلو قاعدة في أرض الديار ورابطة راسها بمرط (شريط) قماشي أبيض، وكانت هيئتها متل هيئة الأموات.. وبعدما سحبوها ودخلوها لجوة، والبنات غسلوا لها وجهها، قعدت مقابل أبو خلو وحكت له عن وقائع الملحمة التاريخية اللي صارت في أرض الديار، وكيف فريد أذل المساعد أول ومرغه هوي وتيابه وكرامته بماء الغسيل. أبو خلو أحس بالعطب، والتفت باتجاه خليل وأحمد وسألهم: أشو رأيكم؟
خليل: بدك الصراحة ياب؟ أنا من كل قلبي حبيته لفريد!
أحمد: وأنا كمان ياب. لكان هالواطي بيدخل عَ الدار وبيحاول يهين أمي ويطلع من هون صاغ؟ لو كنت أنا هون كنت بكسر راسه.
أبو خلو: أنت وأخوك ما في أشطر منكم، بدك يانا نكسر راسه ونعلق مع المخابرات؟ الله يلعن الشيطان. روح بسرعة، دق الباب عَ الأستاذ علاء، وقله أبوي بدي يجي يشرب عندك كاسة شاي.
عندما سمع الأستاذ علاء بالقصة زادت محبته لفريد، وفكر قليلاً بالأمر، وسرعان ما اهتدى لمفتاح الحل، وهو المسدس! اقترح على خليل أن يسرع إلى البيت، يسأل فريد أين خبأه، ويأتي به إلى هنا.
وقال علاء مخاطباً أبو خلو: يا عمي أبو خلو هالشغلة أجت على رجليها. هادا المساعد أول همام لازم يطلع من حارتنا. لأنه واحد حقير حاشاك، كل الناس عم يشكوا منه.
أبو خلو: أف! وشلون بده يطلع من الحارة؟
علاء: شغلته بسيطة، إنت إذا حدا دق عليك الباب، وطلب منك المسدس، قله إن إبنك فريد جابه لعندي. وأنا بتصرف.
سأل علاء بعضَ أصدقائه عن همام، فقيل له إنه جالس الآن في منزله مهيناً مذلولاً، وأن صديقه الذي يسكن معه في نفس الدار، عامر، ساعده في تغيير ثيابه المتسخة بالطين وماء الغسيل، وجعله يهدأ ويروق، وقال له: (استناني هون، أنا بتصرف).
خرج عامر من الدار، وذهب مباشرة إلى بيت أبو خلو، قرع الباب، فطلع خليل، سلم عليه، ودعاه لشرب كأس من الشاي، ولكن "عامر" اعتذر عن الدخول، وأفهمه أن المساعد أول همام خائف أن يكون فريد قد أضاع المسدس، في هذه الحالة ينخرب بيته.
أم زاهر: القصة تعقدت كتير. شلون حلوها بعدين؟
أبو المراديس: خليل وعامر راحوا لعند الأستاذ علاء، خليل طلب من علاء إنه يعطي المسدس للأخ عامر، حتى يرجعه لصاحبه. علاء أبدى استعداده إنه يرجعه، لكن حط شرط زغير. قال لعامر: على راسي يا أخي عامر. أنت بتمون. بس في شغلة زغيرة لازم نعملها.
عامر: أشو هيي؟
علاء: أنا بدي يجي همام لهون، حتى أسلمه المسدس قدام تنين شهود من شباب الحارة.
عامر: ليش بقى الشهود؟
علاء: بصراحة؟ بدي أخليه يتعهد بأنه ما يزعج العم أبو خليل وولاده. وإذا خطر له يزعجهم أنا بروح لعند معلمه وبحكي لي شلون ولد فصعون عمره 14 سنة غَسَّله بالطين، وأذله، وشلحه المسدس.
(انتهت هذه الحكاية برحيل المساعد أول همام من الحارة بشكل نهائي).