المحاور "الفالح"
أود أن أحيطك علمًا يا قارئي العزيز بأنني لم أمسك "ريموت التلفزيون" منذ ما يقرب من عشر سنوات، فقد سئمت التلفزيون وإعلامه الموجه نحو إفراغ العقول وتسويد منطق الفزاعات، وقد وصل سأمي إلى حد الكراهية بسبب الظروف الحالكة التي حلّت بمصر، وما أعقبها من انقسام في المجتمع ندفع ثمنه كلنا إلى اليوم، فاللهم أصلح حال مصر. لكنني في الواقع ممتنة جدًا لوجود موقع يوتيوب في حياتي، وإن كان موقعًا تجاريًا هادفًا إلى الربح بشراهة، لكنني أستطيع تكييفه وفق احتياجاتي، فأبحث فيه عما أود الاستماع إليه والاستمتاع به، وعندما يتعرف على ذوقي يزيدُني من الشعر أبياتًا فيرصد لي كل ما هو ذو صلة بالمحتوى الذي يهمني، وهذا كفيل بشكري له.
وهذه الكلمات ما هي إلا مقدمةٌ لتعليقي على ما أثار فضولي لاستقصاء أسباب انتقاد البعض المذيعة منى الشاذلي في ردها على الفنان كاظم الساهر، عندما تحدث عن تخوفه من التغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري، فبحثت عن الحوار أو بالأحرى الجزء محل الاهتمام والانتقاد واستمعت إليه، وهذا نص الحوار:
كاظم الساهر: اليوم بيتكلموا على موضوع الأرض وموضوع الاحتباس الحراري والتغير المناخي اللي احنا للأسف كلنا ساهمنا فيه، يعني تخريب الأرض، يعني أنا كنت أفكر إذا الأرض راحت موسيقتي وين حتروح؟ يعني كل التعب اللي تعبناه كلنا إذا الأرض راحت اشلون ها الموسيقى؟ وين تروح؟ تروح كلها ببلاش؟! هادي حاجة تؤرقني جدًا.
منى الشاذلي (ترفع حاجبيها وتندهش وتبتسم بطريقة توحي بالاستخفاف): آه.. يعني أوفر (over) شوية.
فما كان من السيدة المذيعة إلا أن قالت للضيف الواعي: "أنت مركز أوي"
كاظم: بس إحنا ليه نتكلم عن هذا الموضوع؟ احنا كلنا بنساهم، يعني مثلًا أقرا واحد ماسك سيجارته ورماها على شاطئ البحر، يحكوا عن السيجارة هادي تقريبًا تلوث ما أعرف كام لتر مية، هذه القطعة الصغيرة، أنتِ تخيلي كم يرمون؟! والشواطئ البلاستيك، ما صار يسموها شواطئ البحر، صاروا يسموها الشواطئ البلاستيكية، يعني لو إحنا نلتزم مثلًا لو أفرش أسناني وفاتح المية، والمية وحده، لا .. سكّر المية وفرش أسنانك، أو مثلًا أعمل إيداي صابون والمية مفتوحة، اعمل إيدك صابون وسكّر المية ولما تخلص (الدعك بالصابونة) حط الصابونة وافتح المية.
يرد الجمهور بتصفيق حاد في حين تقاطعه منى بضحكة بها نبرة ساخرة قائلة: أنت مركز أوي، أنت مركز أوي.
كاظم: ما هو راح أحكيلك ليش؟ أا مثلًا عندي حفيدات اتنين (تقاطعه منى بقولها: قمر) هاي الحفيدات راحوا يشوفون السماء، كيف السماء راح تكون سماؤهم، راح يشوفون مثل ما كنا نشوف السماء زرقا والنجوم متلألئة ما شاء الله، حيشوفون ها الشكل أولاد أولادنا؟ ما راح يشوفون ها الشكل.
تقطع الكاميرا الحديث لتصور حفيدات كاظم الساهر فتعلق السيدة المذيعة: هم دول حفيداتك؟
مما يظهر انتقالًا فجًا في الحوار يفتقر إلى الترابط المنطقي بين الموضوعات.
إنني أرى أن هذا الحوار يعكس أمرين أحلاهما مُر، فهو يعكس "ضحالة فكر" المذيعة حول أمر في غاية الخطورة يداهم البشرية جمعاء ألا وهو التغير المناخي. ولو أنها لا تدرك أهمية الأمر فقد كان حريًا بها أن تنتبه إلى أهميته من جراء جدية عرض الضيف الأمر بدلًا من الاستخفاف به بقولها: "مش أوفر شوية".
والأمر الثاني: هو أن المحاور "الفالح" هو الذي يستوعب الأنماط الشخصية كلها ويتقبلُها بشكل مُحايد ولا يحكم أو يتهكم على أي نمط يتحلى به الضيف، فمن الواضح أن كاظم الساهر يهتم بالتفاصيل والمنمنمات التي تُشعر كل إنسان بالمسؤولية عندما قدم دليلًا استرشاديًا لكل فرد على حدة في مواجهة أزمة المناخ، بدءًا ترشيد استهلاك المياه عند غسل الأسنان، ووصولًا إلى المحافظة على الشطآن، فما كان من السيدة المذيعة إلا أن قالت للضيف الواعي: "أنت مركز أوي"، الأمر الذي يُظهر افتقارها للوعي الذي تحلى به الجمهور حين صفق للساهر على نصائحه الدقيقة المؤثرة.
وأخيرًا، إليك يا قارئي العزيز بعضًا من أهم قواعد المُحاور كما بينها العلم:
- الاحترام وتقبّل وجهات النظر.
- حسن الاستماع وتجنب المقاطعة.
- الحفاظ على موضوع النقاش.
- ضبط التشنج والانفعال.
- تجنب المغالطات المنطقية في النقاش.
- الاستزادة من معلومات الضيف فهذا يبعث على شعوره بالاهتمام.
- الابتعاد عن التشدد وفرض الرأي.
- الربط بين نهاية حديث وبداية حديث آخر.
- التفكير قبل الكلام.
- عدم محاولة إثبات صحة موقفك كمحاور على حساب الحق.
- عدم ذكر رأيك الشخصي وذكر آراء آخرين.
- التواصل بالنظر.