المقصلة في انتظارها... فقط لأنّها تجرّأت
سيقت الكاتبة الفرنسية أوليمب دو غوج إلى مقصلة الإعدام في عام 1793، لأنّها تجرّأت، فقط لأنها تجرّأت.
صدر إعلان الإنسان والمواطن (La Déclaration des droits de l'Homme et du citoyen)، وترجمتي له "إعلان حقوق الرجل والمواطن"، عام 1789، وهو الإعلان الصادر عن الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية، التي تشكلت عقب الثورة الفرنسية، ويعدّ هذا الإعلان من أهم وثائق الثورة الفرنسية، وأهم إنجاز تتفاخر به عبر الأجيال. ولكن أن تأتي امرأة وتكتب إعلاناً آخر يشمل حقوق النساء، تحت عنوان "إعلان حقوق المرأة والمواطنة" (Déclaration des droits de la femme et de la citoyenne)، وذلك بعد أن تجاهل الإعلان الأوّل حقوقهن، هنا تكون القوة والحكاية.
هذه المرأة هي أوليمب دو غوج، وفي إعلانها الذي نحكي عنه، صاغت مطالب النساء في الحرية والكرامة والمساوة، ووجهت نقداً لاذعاً وساخراً من إعلان الجمعية الوطنية التأسيسية، لأنّها، أولاً: تجاهلت حقوق النساء، ثانياً: لأنّ فرنسا قامت بقمع وتعذيب شعب هايتي لأنّه ثار من أجل حريته واستقلاله عن الاستعمار الفرنسي، وفضحت مبكراً هذا التناقض الشديد بين الحقوق التي تعلنها فرنسا للداخل وبين ممارستها الوحشية في المستعمرات.
فمن هي هذه المرأة؟
ولدت غوج في 7 مايو/ أيار 1748 بمنطقة مونتابون بفرنسا في وسط برجوازي. تعلمت القراءة والكتابة وحدها. وفي السابعة عشرة من عمرها، زوّجت من رجل ثري يدعى لويس أوبري، يكبرها بثلاثين عاماً، وذلك كان ضد إرادتها. لم يدم الزواج طويلاً، فبعد سنة توفي زوجها، بعد أن أنجبت طفلاً منه. رفضت الزواج مرّة أخرى، لكي تستطيع نشر كتبها بكلّ حرية، إذ كان آنذاك ممنوعاً على المتزوّجات نشر الكتب دون موافقة الزوج، وسافرت إلى باريس لأنها أرادت أن تكون كاتبة.
كانت، وبشكل مبكر، ضد الزواج الديني، وطالبت بزواج مدني، كما طالبت بحقوق الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج، وكتبت مسرحية بعنوان "عبودية السود" وكانت تشجب العبودية وتطالب بإلغائها. كانت عضواً بارزاً في جمعية "أصدقاء السود"، هذه الجمعية التي اتخذت على عاتقها الكفاح من أجل حرية السود والملونين.
كانت أوليمب دو غوج، وبشكل مبكر، ضد الزواج الديني، وطالبت بزواج مدني، كما طالبت بحقوق الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج
كانت أوليمب دو غوج ضد إعدام الملك لويس السادس عشر، الذي حدث في 21 يناير/ كانون ثاني 1793، لأنّها ضد عقوبة الإعدام، وطالبت بنفيه خارج فرنسا، وكانت مع الملكية الدستورية، لذا جلبت كراهية الجمهوريين المتعصبين، فقال عنها مؤرخ الثورة الفرنسية، جول مشيليه: "لقد سمحت لنفسها بالتصرف والكتابة عن قضايا لم يفهمها عقلها البليد".
بعد تنفيذ حكم الإعدام على الملك لويس السادس عشر، صارت الأمور أكثر عنفاً ودموية، وتمّ القبض عليها بتهمة الخيانة لأنّها وقفت ضد عنف الجمهوريين، واتهمتهم بالهمجية، وبدورهم اتهموها بالخيانة، وتمّ القبض عليها في الثاني من نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1793، وتمّت محاكمتها وإعدامها في نفس اليوم، كأنّهم أرادوا التخلّص منها في أسرع وقت ممكن.
بموت أوليمب عاد الاستبداد مرّة أخرى، الاستبداد الذي يرافق الثورات دائماً. ولم تنل النساء في فرنسا حق التصويت إلا في عام 1945.
كانت صرختها الأخيرة، من فوق مقصلة الإعدام: "يا أبناء الوطن، ستثأرون لموتي".