النساء ودفة القيادة في أميركا

12 نوفمبر 2024
+ الخط -

في أحد أيام الصيف المعتدلة، قبِلتُ وردية عمل في قريةٍ تقع على بعد 700 كم شمال العاصمة أوتاوا. وأثناء العمل، تبادلت الحديث مع مساعدتي، وهي سيدة في الخمسينيات من العمر. سألتها عمّ إذا كانت قد امتهنت مهناً أخرى قبل أن تصبح مساعدة في الصيدلية. فأجابت بأنّها عملت في رعاية كبار السن، وفي محلّ بقالة، وأنّ لديها شغفاً بالعمل في البناء. عندما سألتها عن تجربتها في البناء، أظهرت لي صوراً للدكة التي صنعتها في باحة منزلها، وأخرى صنعتها لأحد أبنائها. كانت أعمالها مُتقنة وجميلة، وأثنيت عليها لجودة صنعها وجمال تصميمها.

لكنها قالت بأسف إنّ عملها في البناء يظلّ مجرّد هواية، إذ لا يثق الرجال في القرى بعمل النساء في مثل هذه المهن، ممّا منعها من تحقيق دخل من هوايتها. كانت علامة تعجّب عندي، فسألت: كيف ذلك؟ 

قالت إنّ هناك بعض المهن التي لا تزال حكراً على الرجال، وإنّه يصعب على النساء كسب ثقة الرجال لممارستها في القرى والأرياف.

وهنا يبدو لي أنّ هؤلاء الرجال هم من صوّتوا لدونالد ترامب، وهم غير مستعدين بعد لتقبّل قيادة امرأة، سواء في أميركا أو كندا. على سبيل المثال، تُشير بيانات موقع "سي بي أس نيوز" إلى أنّ 55٪ من الرجال صوّتوا لترامب، مقابل 42٪ صوّتوا لكامالا هاريس. ومن جهةٍ أخرى، أظهرت بيانات موقع "يو إس نيوز" أنّ 62٪ من سكان الأرياف صوّتوا لترامب، مقابل 36٪ لهاريس. ورغم عدم توفر بيانات دقيقة حول نسبة الرجال في الأرياف الذين صوّتوا لترامب في الانتخابات الأخيرة، لكنها كانت حوالي 75٪ في الانتخابات السابقة. 

أميركا الواقع تختلف عن الصورة التي تقدّمها هوليوود أو وسائل الإعلام أو نتائج استطلاعات الرأي وغيرها

من الملاحظ ارتفاع نسبة فوز النساء في انتخابات 2024 بمقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب، حيث بلغت النسبة 25% في مجلس الشيوخ و29% في مجلس النواب. وعند مقارنة هذه النتائج بالانتخابات السابقة، يظهر بوضوح زيادة متدرجة في هذه النسبة، مما يعكس تحسناً في تمثيل النساء في المناصب السياسية الأميركية. 

ومع ذلك، لا يزال العديد من الرجال في أميركا متردّدين حيال فكرة تولي امرأة للقيادة. هناك عدّة عوامل تساهم في هذا الموقف، مثل الثقافة الذكورية والشعبوية والتقاليد المحافظة وغيرها. وفي حالة دونالد ترامب، ورغم أدائه المتواضع، نجح في الفوز مرّتين في مواجهة مرشحات نساء، إحداهن بيضاء والأخرى ملونة، رغم أنّ استطلاعات الرأي كانت في أغلبها تشير إلى تفوّق المرشحتين في كلتا الحالتين. يبدو أنّ أميركا الواقع تختلف عن الصورة التي تقدّمها هوليوود أو وسائل الإعلام مثل CNN وNBC أو نتائج استطلاعات الرأي وغيرها.

في المقابل، نجد أنّ التجارب الأوروبية أظهرت نجاحات لافتة بقيادة نساء، مثل أنجيلا ميركل في ألمانيا ومارغريت تاتشر في بريطانيا، إلا أنّ أميركا لم تتمكن بعد من استنساخ نماذج مشابهة. وهذا يطرح تساؤلاً: هل لا تزال أميركا في حاجة إلى المزيد من الوقت لتقبّل فكرة إعطاء دفة القيادة لامرأة، خاصةً أنّ أميركا تقود العالم حالياً؟