بايدن بين غزّة وداعميه المسلمين
محمد مصطفى جامع
أحد الأسباب التي رجّحت كفة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 حرصه على كسب ود الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، والتي يقدّر عددها بما بين 3.5 – 4.5 ملايين شخص.
خلال الحملة الانتخابية، نجح بايدن في التودّد إلى أفراد الجالية المسلمة وأقنعهم بالتصويت له، إذ كانت الأقلية المسلمة مستهدفةً بشكلٍ خاصٍ من الرئيس السابق دونالد ترمب، والذي كان يزدري المسلمين في خطاباته، حتى إنّه دعا ذات مرّة إلى "حظر كامل وشامل على دخول المسلمين الولايات المتحدة"، ولمّا لم يكن ذلك الأمر منطقياً وغير قابل للتنفيذ، أصدر ترامب بعد أسبوع فقط من توليه منصبه الأمر التنفيذي رقم 13769، الذي منع بموجبه دخول الأشخاص من ليبيا، وإيران، والعراق، والصومال، والسودان، وسورية، واليمن، بحجة "حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب".
تسبّب ذلك القرار (الذي واجه آنذاك إدانات دولية واسعة)، في توقيف ما يقدّر بـ100 - 200 مسافر في المطارات الأميركية، ومُنع المئات من الصعود إلى الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة.
لكنّ الرئيس بايدن أوفى بتعهداته التي قطعها أيام الحملة الانتخابية وقام بإنهاء الأمر التنفيذي في اليوم الأوّل لرئاسته، معتبراً أنّ الحظر لا يخدم سوى أجندة عنصرية، وليس معنياً بحفظ الأمن القومي، واصفاً إياه بـ"الخطأ الأخلاقي".
حتى بعد أن استقرّ بايدن في كرسيه واصل التقرّب من الجالية المسلمة، إذ استضاف خلال عيد الفطر الماضي حفل استقبال في البيت الأبيض للاحتفال بالعيد، مؤكداً استمرار دعم إدارته للجالية المسلمة.
وعلّق بايدن على مساهمات المسلمين العديدة في المجتمع الأميركي، سواء في الخدمة العسكرية والدبلوماسية والجهاز التشريعي، قائلاً "هناك مسلمون أميركيون يخدمون في الكونغرس اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في التاريخ الأميركي"، في إشارة على ما يبدو إلى النائبتين رشيدة طليب وإلهان عمر.
بيد أنّ تلك العلاقة الجيدة بين الرئيس الأميركي والمجتمع المسلم في الولايات المتحدة ساءت إلى درجة كبيرة أخيراً، إثر الدعم غير المحدود الذي قدمه بايدن لإسرائيل في عدوانها المتواصل على غزة منذ أكثر من شهر.
الازدراء الصريح تجاه بايدن من قبل كثير من أعضاء كتلة ديمقراطية وازنة يمكن الاعتماد عليها في الانتخابات، يشير إلى أنّ العدوان على غزة يمكن أن يعيد تشكيل السياسة الداخلية الأميركية
الأكثر إيلاماً أنّ دعم الرئيس بايدن لتل أبيب لم يقتصر على تقديم السلاح ومنحها تفويضاً كاملاً لإبادة الفلسطينيين، بل وصل به الأمر إلى التشكيك في عدد الضحايا، لأنَّ الأرقام تأتي من مسؤولي الصحة في قطاع غزة، رغم أنّ المسؤولين في غزة قاموا بنشر أسماء وأرقام هويات وطنية ومعلومات أخرى لـ6747 شخصاً مدرجين في إحصاء وزارة الصحة للضحايا في غزة الشهر الماضي.
فسَّر كثيرون حينها تصريحات بايدن بأنّها تصف الفلسطينيين بالكاذبين، أو أنها تساوي بين المهنيين الطبيين المحاصرين في غزة وحركة حماس.
الأميركيون المسلمون عبّروا عن رفضهم للدعم الأميركي لإسرائيل من خلال عشرات المسيرات الغاضبة التي اجتاحت العديد من المدن الأميركية طوال الشهر الماضي، والتي لم تقتصر المشاركة فيها على مجتمع المسلمين فحسب، بل شارك فيها مسيحيون ويهود ولادينيون دعوا جميعاً إلى وقف إطلاق النار في غزة والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية.
رغم الصعوبات واستمرار العدوان، لا تزال قطر تواصل وساطتها الرامية إلى إيجاد حل لأزمة الرهائن مقابل وقف العدوان الإسرائيلي، وسط آمال ضعيفة بانفراجة في الأيام القادمة.
وفي حال فشلت الوساطة واستمرّ العدوان "لا سمح الله"، فإنّ العلاقة بين إدارة بايدن وناخبيه الأكثر ولاءً مرشحة للمزيد من التدهور، في وقت تقترب فيه الانتخابات الرئاسية المقرّرة عام 2024.
الازدراء الصريح تجاه بايدن من قبل كثير من أعضاء كتلة ديمقراطية وازنة يمكن الاعتماد عليها في الانتخابات، يشير إلى أنّ العدوان على غزة يمكن أن يعيد تشكيل السياسة الداخلية الأميركية.
ذلك أنّ العديد من الأميركيين المسلمين ربما يمتنعون عن التصويت على الأقل في الانتخابات القادمة نظرًا لأنّهم يعتقدون أنّه لا يوجد فارق كبير بين عنصرية الجمهوريين ودعم الديمقراطيين المطلق للعدوان الإسرائيلي، فهم يشعرون بالخيانة والغضب من الديمقراطيين الذين صوّتوا لصالحهم في انتخابات 2020.
وما يبدو مثيراً للقلق في الشارع الأميركي هو ازدياد خطاب الكراهية بحق المسلمين، والذي تُرجم في جريمة القتل التي ارتكبها في إلينوي مسن أميركي بحق طفل من أصول فلسطينية عمره 6 سنوات، بعدما أقدم على طعنه مع والدته بشكل متكرّر ووحشي، صارخاً "أنتم المسلمون يجب أن تموتوا!".
كما شهدت ولاية فلوريدا أخيراً جريمة قتل أخرى يشتبه في أنّها تحمل بصمات الكراهية، إذ قُتل رمياً بالرصاص من قبل مجهولين الشاب السوداني أحمد علي، بمحطة وقود في مدينة ميامي، بعد أيامٍ قليلة من وصوله إلى الأراضي الأميركية.
أخيراً، الاستياء من دعم الرئيس بايدن للعدوان الإسرائيلي على غزة لم يقتصر على مجتمع المسلمين الأميركيين فحسب، حيث ذكرت وكالة رويترز قبل يومين، أنّ أكثر من ألف مسؤول في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، أرسلوا خطاباً مفتوحاً حثّوا فيه إدارة بايدن على المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، في خطوة مشابهة لما فعله نحو 100 موظف في الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي.