تلميذ مجنون يشج رؤوس زملائه
قبل أن نستأنف الحديث في جلسة "الإمتاع والمؤانسة" حول موضوع التعليم، مستغلين وجود المربي الفاضل الأستاذ مجيد الدردي بيننا، قال مجيد إنه يريد أن يستخرج إقامة سياحية ليكون وجودُه في إسطنبول شرعياً، بعدما سمع بوجود مشاكل بين الجهات الحكومية التركية وبعض اللاجئين السوريين ذوي الأوضاع المخالفة للقوانين. وقال إنه جهز الأوراق الثبوتية اللازمة للإقامة، عدا الصور الشخصية. وتساءل: كيفْ لازمْ تكونْ الصورْ من حيثْ الحَجم؟
قال أبو الجود: بما أني موظف في الشركة الأهلية لِلَّفّ والدورانْ والتسكع، فأنا مستعدْ أروحْ معك بكرة عند مصور تركي في حارتنا بيعرف كل شي عن الصور اللي بيطالعوها السوريين منشان الإقامات.
قال كمال ممازحاً: برأيي إنه كل المجموعاتْ البشرية بحاجة لواحد عواطلي متل أخونا أبو الجود.
قال أبو جهاد: ما في حدا بيحتاج للعواطلي، لاكن أيش يطلع في اليد؟ هوي عواطلي وكسول وموجود غصب عن الكل.
قال أبو زاهر: بصراحة يا أستاذ مجيد، حديثك عن تَعَرُّضْ الأطفالْ في بلادنا للتخويف والضرب بحجة أن الضرب مفيد إلهم أعجبني كتير. وأنا بتذكر، في الستينات، وقت افتتاح مدرسة جديدة كانوا يخصصوا غرفة للآذنْ (الفراش) فيها بوتاغاز لغلي الشاي والقهوة، وجرسْ مخصصْ لإعلان بدء الدرس وبدء الفرصة، وعلب طباشير، وشوية أوراق وأقلام، ومجموعة من العصي بعددْ الصفوف، وكل عصاية كانوا يكتبوا عليه رقم الصف ورقم الشعبة. مثلاً: عصاية الصف الخامس شعبة أولى، عصاية الرابع شعبة تانية.. ولما أي معلم بيقرر يعاقب أحد التلاميذ كان يبعت التلميذ المناوب منشان يقول للآذن: عطيني عصاية صفنا!
قال مجيد: كلام أبو زاهر صحيح. وللأسف إنه بعض زملاءْنا المعلمين كانوا يشتركوا مع أهالي الطلاب بالقناعة اللي بتقول إنه العصا من الجنة، وإنه لولا العصاية كنت شفت التلاميذ عم ينطوا على أكتاف المعلم متل السعادين!
قال كمال: برأيك أستاذ مجيد، ما كان في طلاب أو تلاميذ بيستاهلوا الضربْ؟
قال مجيد: كل حالة وكل مشكلة بيحسنْ الإنسان يلاقي لها حل خارجْ نظاقْ الضرب. طيب أنا فيني أسألك سؤال: كيف أنا مضيت عمري في التعليم وما ضربت حدا؟ بتعتقدوا إني ما تعرضت لمشاكل وحالات شاذة؟ طبعاً تعرضتْ كتيرْ، لاكن موضوعْ الضربْ مو موجود في قاموسي أصلاً.
قال أبو الجود: لما دخلنا الصف الأول الابتدائي كان معنا في الصف واحد اسمه "حمدو التَوَّات". نحنا لما دخلنا كان عمر الواحد منا سبع سنين. أما حمدو فما حدا بيعرف شقد عمرُه. يمكن خمسطعش سنة ويمكن أكتر.
قال أبو جهاد: كام مرة قلت لك يا أبو الجود إنه لما بتكذب خلي كذبتك زغيرة؟ شلون عمره خمسطعش سنة، وشلون بيسمحوا له يدخل ع الصف الأول؟
قال مجيد: أنا بدي أجاوب بالنيابة عن الأخ أبو الجود. في هديكه الأيام كانت تمرّ فينا حالات عجيبة.. بتلاقي أب بيجيه ولدْ، وبيتكاسلْ، عن تسجيلُه في دائرة النفوس، وبعدما يصير عُمْرْ الولدْ خمس سنين بيجيه ولد تاني، ووقتها بيروح بيسجل الولدين سوا، على أساس هدول توائم، ولما بيجوا ع المدرسة بتلاقي واحد زغير صوته ناعم، وواحد كبير وصوتُه متل جاروشة البرغل!
قال أبو الجود: زميلنا حمدو كان صوته فعلاً متل جاروشة البرغل، وفوق كل هالشي كان مجنون، وشرسْ. من دون يمين نحن التلاميذ الزغار كنا نخاف من حمدو أكتر من المعلم ومن المدير ومن العصاية.. لأنه طول النهار كان يضربنا أو يقرصنا أو يعضنا ولما الواحد منا بيكون ماشي كان حمدو يمد رجله ويعرقله ويخليه يوقع على طوله. والولد اللي بيوقع بيبكي، وهوي بيضحك وبيكيِّفْ.
قال أبو جهاد مخاطباً الأستاذ مجيد: متل هيك طالب كيف بدك تحل مشكلته بلا ضرب؟
قال مجيد: الضرب بيخلي نسبة الجنون الموجودة عند هيك واحد تصير أعلى، والشراسة تبعه بتزداد. هادا المفروض إنه يُفْصَلْ من المدرسة لأنه شروط التعليم ما بتنطبق عليه. وبس.
قال أبو الجود: هني بالفعل فصلوه، لاكن قبلما يغادر المدرسة أحب يودعنا وداعة بتليق فينا. راح جاب قطعة حديد من الباحة، وصار يلويها بأصابيعه القوية لحد ما صارت مدورة، وقال تعوا يا تلاميذ الأول، شوفوا هاي كاميرا، تعالوا حتى أصوركم. وبلش يسحب الواحد من التلاميذ لقدامُه، ويقله ابتسم للكاميرا، ويضربه على راسه حتى يطلع منه الدم. ويصيح: اللي بعده. وخلال ساعة من الزمان كانوا تلاميذ صفنا كلهم عم ينفر الدم من رؤوسهم بسبب (الصور) اللي سحب لنا إياها "حمدو التَوَّات".
قال الأستاذ كمال: قصة حلوة كتير. بس أنا عندي ملاحظة ضرورية، موجهة للأستاذ مجيد.
قال مجيد: تفضل أخي كمال.
قال كمال: بكرة أبو الجود بده يرافقكْ لعند المصور.. أنا رأيي تعتذر عن مرافقته. بخاف ما يكون "حمدو التَوَّات" فاتح محل في إسطنبول، وياخدك لعنده!