حاتم علي في سهرة الإمتاع والمؤانسة
استهل الأصدقاء في سهرة الإمتاع والمؤانسة حديثهم في هذه الليلة (29 ديسمبر 2020) بالخبر المفاجئ القادم من القاهرة، المتضمن رحيل المخرج "حاتم علي" بنوبة قلبية. انطلقت ألسنتهم، على نحو متداخل، كل واحد منهم يحكي عن مسلسل شهير شاهده من إخراج حاتم علي.. ومن الطبيعي أن يتركز حديثهم على مسلسل الزير سالم باعتبار "الزير أبو ليلى المهلهل" شخصية راسخة في المخيلة الشعبية العربية بوصفه بطلاً صنديداً، وجاء حاتم علي ليجسدها، من خلال نص "ممدوح عدوان" في مسلسل طويل يشبه الملاحم السينمائية، وبخلاصات فكرية مغايرة للخلاصات الموجودة في السيرة الأصلية.
قليل من الحاضرين تحدثوا عن مسلسل التغريبة الفلسطينية، ومسلسل عمر، ومسلسل ملوك الطوائف، ومرايا ياسر العظمة، وقد أجمعوا، في محصلة الأمر، على أن حاتم كان واحداً من الشخصيات السورية التي يشكل رحيلُها خسارة أخرى تتراكم فوق الخسائر المرهقة التي حلت بسورية خلال الحرب التي يشنها ابن حافظ الأسد عليهم.
قال كمال: أنا بشوف إني نعطي فرصة لصديقنا أبو المراديس يحكي عن حاتم، باعتباره صديقه.
أبو المراديس: من مدة قصيرة كتبت عنه مقالة، قلت فيها إني تعرفت عليه في سنة 1983، في مهرجان الرقة الأدبي. كان حاتم يومها عمره 21 سنة، وأنا أكبر منه بعشر سنين. المهرجان الأدبي اللي شاركنا فيه بوقتها كان فيه أدباء شباب مشاركين بالشعر والقصة، وأدباء معروفين أجوا من اتحاد الكتاب العرب، منهم أعضاء في لجنة التحكيم، والمجموع أكتر من مية شخصية، والغريب في الأمر أنه حاتم كان واحد من المبدعين القلائل اللي ترسخوا في ذاكرتي من هداكا الوقت. أنا والزملاء المشاركين ما كنا منعرف يوميتها أنه حاتم طالب في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكن التمثيل المتقن ظهر أثناء قراءته القصة، حتى إن واحد من الشباب قال إنه لو قرينا قصة حاتم ع الورق كان ممكن ما نلاقيها حلوة لهالدرجة.
حنان: أنا برأيي إن حاتم لمع في الإخراج أكتر من التمثيل.
أبو المراديس: نعم. أنا هون بدي إحكي عن هالجانب بالذات. شخصية حاتم علي، باختصار، ذات طبيعة نجومية. بتتذكروا أغنية "عندما يأتي المساء" لمحمد عبد الوهاب؟ بيقول فيها: اسألوا لي الليل عن نجمي، متى نجمي يظهر؟ كان حاتم ممتلئ بمجموعة هوايات أدبية وفنية (نجوم)، وكان عم يبحث عن نجمه الأبرز والأسطع. في المعهد، وبعد المعهد، شارك في تمثيل أعمال تلفزيونية مهمة، وبإدارة مخرجين معروفين، وحاول ينوع في أداء أدواره ويقدم (كاراكترات) مختلفة، ولكن ما نَجَّمْ في التمثيل. ليش؟ لأن النجومية ما بتنعمل بالموهبة والمهارة والدراسة وبس.. في عوامل أخرى، أهمها الشكل الخارجي، الصوت، والفرص. شكل حاتم بيوحي بالطبية، وبالرقة، إضافة لأنه وسيم، والمخرجين الموجودين ما حدا منهم غامر وأعطاه دور بطولة مطلقة. حتى الأعمال اللي أخرجها حاتم نفسه، لما صار مخرج، كان يختار لنفسه فيها دور صغير، ولكن مؤثر، ما قدم نفسه بدور بطولة مطلقة بتصنع نجم.
أبو ماهر: منشان هيك انتقل من التمثيل للإخراج؟
أبو المراديس: حكيت لكم أنه حاتم كان أديب، قاص، متمكن. منشان هيك، قبلما يصير مخرج، حاول يلمع من خلال الكتابة. في الأدب أنجز مجموعتين قصص، لكن الحالة الأدبية السورية بحد ذاتها راكدة، فانتقل للكتابة الدرامية. وكتب تلات مسرحيات، وكتب مسلسل أخرجه محمد بدرخان، ومسلسل أخرجه مأمون البني.. وهون بتظهر مشكلة كاتب السيناريو في العالم العربي وفي سورية، وهي أن المسلسل إذا نجح، بيتسجَّل النجاح للمخرج، والشركة المنتجة بتقطف الثمار المادية، وإذا فشل بيقولوا (النص تعبان).. هون منوصل لفكرة إنه حاتم الإنسان كان عم يبحث عن حاتم النجم ولقاه في الإخراج، وبقي يحن للتمثيل. ومن الملاحظات اللي لا يمكن تجاهلها، أن حاتم أخد دور صغير في مسلسل العراب، الجزء الأول، ولكن دور محترم. دكتور، وكاتب، وشخصية إنسانية جذابة، حتى إن بنت العراب المصابة بآفة دماغية لما هربت، أول ما شافته انجذبت له بالغريزة. حقيقة حاتم هيك، شخصية إنسانية جذابة. وفي الجزء التاني من المسلسل، تم توسيع الدور إلى درجة أنه حاتم أصبح واحد من نجوم المسلسل، ما بيقل من حيث الحضور وحسن الأداء عن باسم ياخور وباسل خياط وبقية نجوم العمل.
أبو محمد: على فكرة، مع أني نحن ما منفهم بهاي الأمور، أنا كتير حبيته لحاتم، وزعلت عليه. حرام، مات وهوي شاب.
أبو المراديس: مو بذهني أعمل مقارنات بين حاتم ومبدعين آخرين. لكن أنا بشوف إن حاتم بيشبه سيد درويش وبليغ حمدي وممدوح عدوان اللي عاشوا حياة قصيرة لكن سيرتهم الذاتية مكتظة بالأعمال الإبداعية اللي بتحقق الكم والنوع في آن واحد.
كمال: بالفعل، إنت لخصت حاتم علي وعطيته حقه.
أبو المراديس: نعطيه حقه ضمن وقت قصير ومساحة ضيقة، صعب كتير. لكن اليوم قريت فكرة مهمة جداً.. إن السوريين اللي هلق ممزقين ومشتتين ومهجرين، يمكن تكون هاي أول مرة بيتفقوا على محبة شخص واحد.. حاتم علي.