حافظ الأسد في إدلب
وضحك وأضاف: صدقوني عشت كل عمري وأنا -على قولة المتل- مْطَبِّلْ مْزَمِّرْ، وما بعرف شي عن شغل السياسة.. ما بستبعدْ أني يوم زيارة حافظ الأسد لإدلبْ كنتْ عَمْ إتْسَوَّقْ بطيخْ وجَبَسْ ورمانْ من سوق الهالْ في إدلب منشان أشحنها لبيروتْ، ومع هيك ما سمعت بقصة "فَرْدة الشحاطة" اللي ضربوها على حافظ لَمَّا كان عَمْ يلقي خطابة.. وإذا بتوعدوني إنكم ما تضحكوا عليّْ، بدي قولْ إني ما كنتْ بعرف مين عم يحكُم سورية في تلك الأيام، ومرة قالت لي أم محمدْ إنها شافتْ الرئيسْ عالتلفزيونْ، فسألتْها: مين الرئيس؟ قالت لي واحد إسمه حافظ الأسد. قلت لها: هادا رئيس أي دولة؟ قالت لي: والله ما بعرف.. رايحة أحط لك عشا. وعلى فكرة أم محمد متلي ما بتعرف، لاكن سمعتْ المذيع عم يقول هادا رئيس..
قال كمال: كرمال خاطرك يا عمي أبو محمد أنا راح أحكي لك القصة بشكل مرتب ومتسلسل. شوف يا عمي أبو محمد.. بلدنا الحبيبة سورية بالأصل دولة زغيرة، وضعيفة، كانت ملحقة بالمملكة العثمانية بعدين وقعت تحت انتداب فرنسا من سنة 1920 لحد سنة 1946، ولما طلعت فرنسا بقيتْ تلات سنين عايشة بأمان، حتى سنة 1949. وبوقتها شِهْدِتْ الانقلابْ العسكري الأول اللي قام فيه العقيد حسني الزعيم..
اعترض أبو إبراهيم. قال: يا أستاذ كمال وين رحت؟ عم يقلك الرجل إنه ما كان يعرف مين رئيس سورية لوقت متأخر، كيف رجعت فيه لسنة 1949 وبديت تحكي لُه عن انقلاب الزعيمْ؟
قال كمال: كنت رايدْ أوصِّلْ لعمي أبو محمد فكرة عن موضوع الانقلابات، وهوي في الحقيقة موضوع طريف ومسلي.. حسني الزعيم ما طَوَّلْ غير أربعة أشهرْ، وعمل عليه سامي الحناوي انقلاب، وأديب الشيشكلي عمل انقلاب على سامي الحناوي، والوحدة مع مصر في أيام عبد الناصر كانت متل الانقلابْ تقريباً، والانفصال عبارة عن انقلاب، وبعدين صار انقلاب البعث في سنة 1963، وفي سنة 1966 انقلبوا البعثيين ع البعثيين، وفي سنة 1970 عمل حافظ الأسد انقلاب على زملاؤه وحطهن في السجن.. وهكذا.
صفر أبو محمد صفرة طويلة وقال: كل هدول صاروا عندنا؟
قال كمال: أي نعم، كل هدول، وأنا عم إحكي لك عن الانقلابات اللي نجحتْ، وما جبت لك سيرة الانقلابات اللي فشلت.
قلت: أظن الأستاذ كمال هلق وصل لبيت القصيد.
قال كمال: نعم. ولما نجح انقلاب حافظ الأسد، عين رئيس جمهورية إسْمُه أحمد الخطيب، بشكل موقت لوقت ما رتب أموره، واستلم رئاسة هوي رئاسة الجمهورية.. هون بقى وجدْ نَفْسُه بحاجة للتأييد الشعبي، فبلش يعمل زيارات للمحافظات، وطلعِتْ بوقتها إشاعة بتقول إنه هادا حافظ الأسد جاي ع الحكم وعنده هدف واحد، وهو إنهاء حزب البعث الحاكم في سورية..
قال أبو زاهر: معقول هالحكي يا أستاذ كمال؟ مو هوي صار الأمين العام لحزب البعث؟
قال كمال: أي طبعاً صار. بس الإشاعة كانت عم تقول إنه راح يصفي حزب البعث من الداخل وبالتدريج.. وكان في إدلب بهديك الأيامْ تيارْ ناصري قوي كتير، وهاد التيار أطربته الإشاعة، حتى إنه طِلْعِتْ إشاعة تانية بتقول إنه حافظ الأسد هوي راح يكون قائد الأمة العربية من المحيط للخليج يعني متل جمال عبد الناصر اللي مات بنفس الفترة.. وعلى هالأساس لما وقف حافظ الأسد فوق مبنى المركز الثقافي في ساحة هنانو حتى يخطب، علقتْ مشاجرة سياسية جماعية بين البعثيين من جهة والناصريين من جهة، وناس يعيشوا حافظ وناس يعيشوا ناصر، وبالنسبة لحافظ الأسد والحواشي الواقفين جنبه ع المنصة صاروا يتفرجوا عالخبيط والضرب ويسمعوا الصياح، وعريف الحفل بلش ينقر ع الميكروفون يصيح أيها الإخوة المواطنون أيها الإخوة الأحرار يا أحفاد عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد.. وعلى ما يبدو أنه في واحد من الشعب كان عم يفكر بأنه هادا العسكري حافظ الأسد اللي عامل انقلاب جديد راح يكون خطر على كل فئات الشعب السوري، وعلى البعثيين والناصريين في الوقت نفسه، فشَلَحْ فردة حذاؤه وضربه باتجاه المنصة، وهرب من المكان فوراً..
وضحك كمال وعلق قائلاً: وهيك منكون جينا لنتفرج على قائد الانقلاب العسكري الجديد، وإذا نحن أنفسنا صرنا فرجة!