حكاية "خود عني جيتك" (1)
أوشكت حكاية نبهان الملقب "طَقّ مصَدّ" على الانتهاء، ولكن الحادثة التي وقعت عند باب محكمة الصلح في معرتمصرين كانت كفيلة بخلط الأوراق، إذ انقلب فيها الفرح إلى فوضى بعدما أطلق المجنون المعرتمصريني الملقب "خود عني جيتك" النار، وأصاب السيدة أم عبدو التي كانت جالسة على سطح أحد المنازل بين النساء اللواتي كن يتفرجن على الحفل ويزغردن.. وبناء على نصيحة مدير الناحية "أبو عمر" أخذ بكار مجموعة (المجانين العاقلين) وغادروا إلى قرية البلاطة، خشية أن تموت المرأة المصابة فتثور ثائرة أهلها ويعتدوا على بكار وصحبه، بوصفهم متسببين بمقتلها، وكانت أم بكار معهم بطبيعة الحال.
تابع أبو الجود سرد الحكاية فقال: من لما دخلوا دار البلاطة، أجوا رفيقات أم بكار حتى يسلموا عليها، وهيي بدورها خبرتهم إنه بكار مشتهي يعمل كبب مشكَّلة ع العشا، لأن في احتمال يجي مدير الناحية أبو عمر ومرته ويتعشوا معهم.
ضحكت أم حمودة وقال لها: وما بدها تجي بنتهم المسكينة عفراء اللي ما عندها تياب تلبسها؟
أم بكار: يبعت لك الهنا يا أم حمودة، بدك ياها تنكمع بالتياب السميكة والطويلة متلنا نحن نسوان قرية البلاطة؟
أم حمودة: لأ، بس عم أقول لحالي إذا ما عندها تياب يستروا صدرها وخصرها ورجليها أنا بجيب لها كم توب من عندي، لا تشوفيني هلق سمينة ومشحمة، أول ما تزوجت كنت أضعف منها.. تيابي العتق بيجوا عليها.
النسوان ضحكوا، وبلشوا يشتغلوا مع أم بكار في تحضير الكبب.
كمال: إنته يا أبو الجود تركت القصة تبعك مفلوشة ومطرشقة، ولحقت حديث النسوان..
أبو هنداوي: الفرد مسروق. هادا المهبول المسطول اللي طول النهار داير في الحارات والبراري من وين بده يجيب مصاري ويشتري فرد؟
أبو الجود: معك حق. خلينا نبدا من مخفر الشرطة التابع للمستشفى الوطني بإدلب، لما أجت المَرَا المتصاوبة بطلقة مسدس، أم عبدو، عناصر الشرطة كتبوا ضبط، بناء على تقرير الطبيب الشرعي، وقالوا إن الرصاصة نازلة في العضد، وهالشي أدى لكسر بسيط، والطبيب المناوب قام بواجبه، وجَبَّر الكسر، وممكن بعد تلات أيام تطيب، ويعطوها معاينة قطعية، ويسمحوا لها تطلع على بيتها. مدير الناحية، من حرصه على صديقه بكار، ركب سيارته وراح ع السوق، ونزل لعند "أبو عبدو" زوج المرا المتصاوبة، اللي عنده دكان بيع مواد تمديدات صحية، وقال له: يا أبو عبدو أنا عازم حالي عندك على كاسة شاي.
أبو عبدو رحب فيه، وأصر إنه تكون الزيارة في البيت، لأن الناس في السوق ما بيتركوا الواحد بحاله.. في البيت قال أبو عمر إن من حسن الحظ إن الأخت أم عبدو بخير، وما في خطر عليها، وإنك أنت يا أبو العبد صاحب العلاقة، أنت أكيد بتعرف أنه اللي صار قضاء وقدر، وإنه اللي قوس بالفرد واحد مجنون.
أبو عبدو: هون حطنا الجَمَّال. يا سيادة الرائد أبو عمر؛ شلون مجنون، وبيخلوه يشيل فرد؟ الإنسان العاقل لما بيشيل فرد عقله ما عاد يشيله، بقى شلون المجنون؟
أبو عمر: شوف يا أبو عبدو، أنا هادا المجنون "خود عني جيتك" ما بعرفه، ولا بعرف أهله، لكن القصة كلها صارت ارتجالية. في وقت قريب إن شالله بدي عَرّفك على صديقي بكار. إنسان سكرة شرواك.
أبو عبدو: قصدك بكار الحجي أبو كرم؟ بعرفه، من يومين اشترى من عندي قطع وتمديدات لدكانه بسوق الهال. بالفعل بكار رجل كريم ومحترم.
أبو عمر: كويس كتير. وأنا كنت خايف ما تصير ردود فعل ضد بكار باعتبار أنه رجل غريب.
أبو عبدو: نحن أهل معرتمصرين منعرف أهالي القرى اللي حوالينا كلهم، وما منعتبرهم غريبين. وعلى كل حال أنا ما عندي مشكلة. اللي بتريده إنته بيصير.
أبو عمر: هادا هوي الموقف اللي كنت متوقعه منك. على كل حال خلال هاليومين منجي لعندك أنا وبكار ومنعمل واجبنا تجاهك.
بعدما رجع مدير الناحية على مكتبه، كان بانتظاره رجل من أهل معرتمصرين، اسمه "مراد القندريسي- أبو هنداوي"، هوي شقيق المجنون "خود عني جيتك"، دعاه أبو عمر لمكتبه، وقال له: خير؟ بأيش بحسن أخدمك؟
أبو هنداوي: أخوي المجنون فؤاد، الملقب "خود عني جيتك"، ارتكب جريمتين في آن واحد، ومع ذلك متخبي في الكرم الشمالي ع طريق مَرْتحوان، ومبسوط ومكيف، والجيران سمعوه عم يغني (يا بياع السمسمية والسمسمية بمية).
أبو عمر: اللي أنا بعرفه إنه أخوك قوص بالفرد وصاب المَرَا. هاي جريمة.. شو بقى الجريمة التانية؟
أبو هنداوي: الفرد مسروق. هادا المهبول المسطول اللي طول النهار داير في الحارات والبراري من وين بده يجيب مصاري ويشتري فرد؟
أبو عمر: من وين سرقه؟
أبو هنداوي: من داري. أنا البارحة جيت ع البيت، كنت تعبان كتير، شلحت تيابي وحطيت الفرد ع الطاولة في غرفة النوم، ورحت عالصالون، تغديت، وشفت حالي نعسان تسطحت عالصوفاية وإذ أنا نايم، لما فقت ورحت ع غرفة النوم لقيت الشباك مفتوح، وما في فرد. عرفت إنه هوي سارقه. لأن قبل هالمرة سرق لي الدش من ع سطح الدار، ومن زمان لما كنا ولاد كان يسرق لي الخرجية، ومرة جبت سمكات وتبلتهن منشان إقليهن، سرقهن قبلما أحطهن بالمقلاية.. المهم، ركبت بيكآبي وطلعت حتى أدور عليه قبلما يعمل مشكلة بالفرد، وسمعت من الناس إنه كان في حفلة لواحد مجنون اسمه طق مصدّ طالع من الحبس، وأخوي فؤاد قوص وصاب المرا. يا حضرة الرائد هدول المجانين بيتضامنوا مع بعضهن، لكان معقولة مجنون يطلع من الحبس وأخوي ما يسحب له مشطين رصاص؟
أبو عمر: طيب يا سيد أبو هنداوي، سؤال: المسدس تبعك مرخص؟
أبو هنداوي: لأ، بصراحة مانه مرخص.
أبو عمر: أم. طيب. هلق مشكلة إطلاق النار وإصابة المرَا، هاي صارت مسجلة بضبط الشرطة، وأكيد الضبط راح ينحال ع المحكمة. وبالنسبة لأخوك، بدي منك تكتب لي العنوان اللي هوي موجود فيه، حتى نبعت دورية شرطة تلقي القبض عليه. أما موضوع السرقة فهادا بيتعلق فيك إنته. إذا حابب تشتكي عليه تفضل ع المحكمة. ولا تنسى إنه الفرد راح يتصادر في المحصلة، وإذا عندك رغبة إني المشكلة تنحل ودياً عطيني خبر، أنا ممكن أساعدك.
(للقصة تتمة)