خطف سمارة من طرطوس (التنفيذ)
ذهب الأصدقاء الخمسة من أبناء بلدة معرتمصرين، في سيارة "طاهر"، إلى طرطوس، خلسةً، لأجل تنفيذ مخطط اختطاف الفتاة سمارة التي يحبها صديقُهم عبودي، بعدما أفهمهم أن أهلها رفضوا تزويجها له بشرع الله، فاحترق قلبه، وصار يستيقظ في الليل من أحلى نومه، ويفتل في مكانه مثل الدراويش، وهو يصيح: سمارة، سمارة..
كان الأصدقاء مطمئنين إلى أنهم لن يتعرضوا لأي نوع من المسؤولية الجنائية، لأن الخطف سيتم تحت جنح الظلام.. ونظراً لأن سمارة تحب عبودي حباً جنونياً، فلن يكونوا مضطرين لاستخدام العنف لسحبها من بيت أهلها، يكفي أن يعطيها عبودي صَفْرَة من بين أسنانه - كما قال - حتى تخرج واضعةً بقجة ثيابها الضرورية تحت إبطها، وتركب بجوار عبودي في الصف الأمامي من السيارة، ويعود الجميع إلى معرتمصرين بنفس السهولة التي تجري بها المياه في المنحدرات.
بعدما تجاوزت السيارة موقع القساطل، قال سفيان للأصدقاء: "عندما تصبح سمارة في معرتمصرين، نضعها أمانة لدى خالتي أم سمير التي تعيش وحدها في دار زوجها المتوفى، وأنا آتيكم بالشيخ عمر التلتوني، ونعطيه ما فيه النصيب من المال، ليعقد قران عبودي عليها، ونجعل سليمان وطاهر، مثلاً، شاهدين على الزواج، وفيما بعد، حينما يتتبع أهل سمارة أثر ابنتهم، إذا وصلوا إلى معرتمصرين، سيجدون أن الفأس قد نزل في الرأس، وابنتهم تزوجت، بالحلال طبعاً، فيسكتون، ويعودون من حيث أتوا، لأن المثل الشعبي يقول: الحلال يُسَكِّت الكبير والصغير والمقمط في السرير".
قال أبو أحمد، الذي كان يصغي إلى هذه التفاصيل: "صدقني يا أبو مرداس، وأنا الآن أستمع إلى هذه الحكاية منك، بعد أربعين سنة من وقوعها، تقصفت ركبتاي من الخوف.. أظن أن الشبان الخمسة، لو كانوا في عمر الحكمة والتعقل، لرفضوا الانخراط في مثل هذه المغامرة الهوجاء."
عندما قالت هذه العبارة وقف طاهر فجأة وقال: عم أبو مناف. نحن متشكرينكم كتير. بعد إذنك وإذن أختنا أم مناف. نحن بدنا نمشي. لسه قدامنا سفر طويل
قلت: "معك حق. ولكن ما حصل كان عامراً بالمفاجآت الغريبة. أنا سمعت تفاصيل الحكاية فيما بعد من سفيان، قال لي إن أول مقلب تعرضنا له من العاشق الولهان عبودي يتلخص في أنه نسي اسم الحارة التي تسكن فيها حبيبة قلبه سمارة مع أهلها، وبما أنه قال إن بيتها كان قريباً من بيت خاله جندو، فهذا يعني أنه لم يكن يعرف أين يسكن خاله جندو بالضبط! وأنا وقتها فكرتُ أن القصة كلها كذب بكذب. ولكن صديقنا طاهر صاحب السيارة كان رجلاً حليماً، فلم يغضب منه، وصار يطلب منه أن يتذكر، ويدله على الطريق، فيقول عبودي: من هون. من هون. روح من هون، على اليمين.
وبعد أن يمشي طاهر بسيارته من حيث أشار له، يقول عبودي: لا لا لا. وقف. مو من هون. روح من هناك.
قال لي سفيان: وبعد حوالي ساعة من اللف والدوران في شوارع تلك المدينة البحرية الجميلة، اهتدى عبودي إلى دار سمارة. طلبنا منه أن يعطيها علامة لتخرج، فقال حاضر. وصفر بفمه مرة، ومرتين، وثلاثاً، وأثناء ذلك كانت أعيننا متعلقة بالباب، متوقعين أن يُفتح بغتة وتخرج منه الصبية حاملة البقجة. ولكن الباب بقي صامتاً صمت القبور.
قلت للأصدقاء: أنا عندي فكرة. الآن أعطي المسدس لطاهر، يلقمه، ويؤمنه، ويضعه في تابلو السيارة الأمامي، ويبقى جالساً في السيارة لحمايتنا، وننزل نحن الأربعة، أنا أقرع الباب، والثلاثة الآخرون يبقون مستعدين لأي طارئ.
قال سليمان: وأيش نستفيد من قرع الباب؟
قلت له: يكون عبودي واقفاً بالقرب مني، فإذا فتحت الباب فتاة صبية، وأعلمني أنها هي سمارة بالفعل، أكمم فمها بيدي، وأسحبها من يدها باتجاه السيارة، وأنتم تغلقون باب المنزل بقوة، لئلا يستطيع أحد أن يفتحه من الداخل، وعندما نصبح في السيارة أعطيكم إشارة فتأتون بسرعة، نركب كلنا ونهرب.
سألني أحمد قائلاً: وإذا فتح لك الباب رجل، أخوها أو أبوها مثلاً، ماذا نفعل؟
قلت له: ببساطة، نسلم عليه، ونقول له إننا ضللنا طريقنا ونريد أن نرتاح عندهم. وبعدما ندخل نرى كيف يكون الوضع، ونتصرف على هذا الأساس.
أصدقائي وافقوا على الفكرة، وقرعنا الباب. فتح لنا رجل كهل، يبدو أنه والد سمارة، قال لنا: تفضلوا. تفضلنا.
سألتُ سفيان وهو يروي لي القصة: وهل كانت سمارة موجودة؟
موجودة وليست موجودة. اسمع لأحكي لك ما جرى. يا سيدي، صاحب البيت الذي فتح لنا الباب يدعى أبو مناف، وهو رجل طيب، ومضياف، قال لزوجته: أم مناف، حطي عشا للضيوف. فحلفنا له يميناً معظماً على أننا تعشينا قبل قليل. وبسرعة أحضرت أم مناف الموالح، والبيتيفور، والشاي والقهوة.. وكان بين الحاضرين فتاة جميلة وشاب وسيم أسمر ذو عضلات مفتولة، سارع أبو مناف لتعريفنا بأسرته..
قال: أنا أبو مناف، مساعد أول متقاعد من الجيش. هاي بنتي عبير، وهادا معاذ صديقها، ويمكن يخطبوا، ما بعرف.
وسرعان ما أمسكتُ رأس عبودي، وقربته من فمي، وهمست في أذنه: وين سمارة؟
أشار عبودي نحو الفتاة. قلت له: ما هذا الخلط يا عبودي؟ ألم تسمع أباها وهو يقول إن اسمها عبير؟
والله ما بعرف. كنت مفكر اسمها سمارة.
قلت لسفيان: بالفعل هذه ورطة. وأيش عملتوا؟
قال لي: بودك الصراحة؟ الموقف صار خلطبيطة. لكن الشيء المطمئن أن أبو مناف، وامرأته، وحتى عبير، أناس أوادم. فأنا تشجعت، وقلت: عمي أبو مناف. أنا سأحكي لك قصتنا كما هي.
قال: تفضل.
حكيت لهم القصة مثلما سمعناها من عبودي، فانفلتوا بالضحك، وقال أبو مناف: والله والنعم منكم ومن السيد عبودي.
وقال لابنته: شو يا عبير؟ بتريديه للأستاذ عبودي؟
هنا ارتفع رأس عريس الغفلة معاذ، وانتفخت عضلاته من تلقاء نفسها، وقال: شو؟
قال أبو مناف: اسمع أنت معاذ. أنا أسأل عبير. شو يا عبير؟ ما قلتي لي رأيك بعبودي؟
ابتسمت الفتاة بعذوبة، وصارت تتأمل في وجه عبودي.. وقالت: أحاول أن أتذكر، أين شايفته للأخ!
عندما قالت هذه العبارة وقف طاهر فجأة وقال: عم أبو مناف. نحن متشكرينكم كتير. بعد إذنك وإذن أختنا أم مناف. نحن بدنا نمشي. لسه قدامنا سفر طويل.
ومشى باتجاه الباب وهو يبربر بكلام فيه غيظ من عبودي، كان يقول: واحد حمار، طشم.. لا تعرف أين دارها، ولا اسمها، وهي لا تتذكر أين شافتك، وجايبنا من معرتمصرين حتى نخطف لك إياها؟!
(للقصة تتمة)