02 سبتمبر 2024
دخل أبو عبوش بالحيط
كنا نسرد في سهرات الإمتاع والمؤانسة الأخيرة حكايات تدور أحداثُها حول هزليات السياسة في عصر البعث والعصابة الأسدية، فتَدَخَّلَ أبو الجود قائلاً:
- لا تواخذوني، أنا رجل أمي، إذا بدي إحكي متل الحكايات اللي سمعناها من الأستاذ أبو زاهر والأستاذ كمال ما بحسن. أنا متلما بتعرفوني، بحكي خبط ولزق ودَجّْ، ما بعرف إتفلسف، ولا بعرف إستخلص خلاصات وعبر وما بعرف أيش..
قال أبو جهاد متهكماً: يا حبيبي! ما بقي علينا غير أبو الجود يتفلسف ويستخلص عبر! لك خيو إنته احكي القصة بطريقتك المفشكلة وكتر الله خيرك.
انبرى كمال يرد على أبو جهاد بقصد أن يرفع من مزاج أبو الجود لكي يكون إلقاؤه للحكاية جميلاً:
- كل شي بيحكيه أبو الجود كويس، ونحنا اللي موجودين في هالسهرة منحب حكاياته ومننتظرها بفارغ الصبر.
قال أبو الجود: ولا يهمك أستاذ كمال، أنا راح إحكي القصة ومو مهتم لتعليقات أبو جهاد. بس عندي طلب زغير، وهوي إنكم تسعوا لنا بأبريق شاي ديري تقيل، لإني لما بحكي بينشف ريقي.
كان تحقيق هذا الشرط سهلاً، إذ سرعان ما أوصى صاحب البيت أبو ماهر أحد أبنائه على إبريق شاي تقيل.
قال أبو الجود: كان في إلنا صديق آدمي وحباب، إسمه مازن، هوي أعزب، بس الناس بينادوا له "أبو عبود" لأن والده اسمه عبود.. لكن في مرة من المرات أثناء وجودُه في المقهى صارت مشكلة، وكان في واحد من الموجودين سَمْعُه تقيل، صار يقول: متلما حكى أخونا أبو عبوش.. وبعد شوي قال: أخونا أبو عبوش بيعرف القصة.. ومازن صار يصحح له ويقول له: يا عمي أنا إسمي أبو عبود، مو أبو عبوش، فيرد عليه الرجل: ولو يا أبو عبوش، أنا بعرفك، الله يرحم أبوك عبوش كان من أعز صحابي! ومن يومها صرنا نحن رفاقه ننادي له: أبو عبوش. وهوي نفسه صار يعرّف على نفسه ويقول: محسوبكم مازن، أبو عبوش!
أصل الحكاية إنه لما كان السيد عبود، والد مازن على فراش الموت مسك إيده وقال له:
- يا إبني يا مازن أنا هلق رايح على ديار الحق، وبدي إنصحك نصيحة: شغلتين لا تقرب عليهن، تعاطي الحشيش، ومعاشرة أولاد الحرام.
قال مازن لأبوه: الحشيش بعرفه يَبُو، وأكيد ما راح إتعاطاه، بس كيف بدي أميز ولاد الحرام من أولاد الحلال؟ يعني بروح ع دائرة النفوس وبعمل جرد للدفاتر والسجلات؟
رد عليه أبوه وقال له: لا تفهمني غلط يا إبني يا مازن، بقصد إنك تتجنب معاشرة الناس اللي بيكونوا "ولاد حرام" بأفعالهم الوسخة، متل بعض المسؤولين في هالدولة اللي قاطعين رزقهم من الله وواصلينه بالناس. يخرب ديارهم، إذا ما سرقوا وتسلبطوا وفرضوا على الناس خُوَّات ما بيهنالْهم عيش.
قال مازن لأبوه: الله يطول عمرك يَبُو، اللي بده يعيش بهالبلاد مفروض عليه إنه يلتقي بالمسؤولين، ويتعامل معهم، وإذا هوي ما سعى لملاقاتهم هني بينطوا له كيف ما تحرك.. بقى أنا شلون بدي إحسن أبعد من طريقهم و..
وقبلما يكمل مازن كلامه كان والده مفارق الحياة. وأبو عبوش زعل عليه كتير، وقرر إنه يسمع نصيحته، ويلتزم فيها طول عمره وحياته.
قال أبو محمد: الله يرحمه. بتعرفوا يا شباب؟ أنا عجبتني هالقصة من أولها.
قال أبو الجود: وفي يوم من الأيام كان أبو عبوش عم يسوق الموتوسيكل وشارد، أجا قدامه باب دائرة حكومية، دخل في الباب، وتكسر البلور، وركضوا الناس والحراس، ومسكوه، وأجوا الشرطة، ونظموا فيه ضبط، وأحالوه عَ قاضي التحقيق اللي أمر بتوقيفه على ذمة التحقيق. لكن المسؤولين، ولاد الحرام على قولة المرحوم والده، طلعوا في طريقه "سَنْجَق عَرْض".. وهاي قصة تانية بتستحق إنكم تسمعوها مني.
قال كمال: منسمعها بكل حماس وسرور. تفضل.
قال أبو الجود: واحد مسؤول، عضو فرع الحزب، خلينا نقول اسمه "الرفيق محمود"، كان عم يزور رئيس أحد فروع المخابرات، وعم يحكوا بموضوعات كتيرة، وأجت سيرة الموتوسيكل اللي فات بباب المديرية. فقال محمود:
- أشو رأيك يا رفيق؟ معقولة تكون هاي عملية انتحارية جهادية؟
ومن دون ما يصفن رئيس فرع المخابرات قال للرفيق محمود:
- أكيد. ما في غير هيك!
ورفع سماعة التلفون وحكى مع قسم التحقيق، وقال لهم جيبوا لي إضبارة هادا مازن، أبو عبوش، أبو بطيخ، لنشوف هالحقير من أي جماعة إرهابية، ومين اللي بعته ليفجر نفسه بباب المديرية..
قال أبو ماهر: ولي. الظاهر إنه أبو عبوش بده يدخل بالحيط عن جد.
قال أبو الجود: نعم. ومتلما حكيت لكم من قبل؛ كان أبو عبوش بعده موقوف في السجن المركزي وقاعد مع أقدم سجين في السجن كله، العم أبو دباح، وعم يسأله:
- يا ترى دخول رجل عم يسوق موتوسيكل في دائرة حكومية قديش حكمه؟
فضحك أبو دباح وصار صدره يشختر إخ كخ ترخّ.. وقال له:
- الحكم تبعه في الحد الأقصى شهر. بتعرف أنا شقد محكوم؟
قال له أبو عبوش: لا والله ما بعرف. شقد؟
قال السجين: خمسطعش سنة. بتعرف لو أنا محكوم شهر واحد متل حكايتك شلون بمضّي هالشهر؟
قال أبو عبوش: شلون؟
قال: بنام الشهر كله وأن رافع رجلي لفوق وراسي لتحت متل السعدان!
وبلش أبو دباح يضحك ويشختر، والتفت ع المساجين التانيين وعطاهم إشارة حتى يضحكوا، وصاروا يضحكوا بالفعل. وأبو عبوش رغم الحالة النفسية اللي كان عم يعيشها صار يضحك، وخاصة لما تصور "أبو دباح" وهوي منزل راسه لتحت ورافع رجليه لفوق.
ع كل حال أبو عبوش صار يضحك لإنه هالمسكين ما بيعرف إنه القضية تبعه صارت قضية أمن دولة.
قال أبو إبراهيم متشوقاً: طيب وبعدين؟
قال أبو الجود وهو ينظر بطرف عينه إلى الباب الذي فتحه إبن أبو ماهر ودخل حاملاً أبريق الشاي والكؤوس:
- بدي إحكي لكم أيش صار معه بالتفصيل، لكن بعدما أبل ريقي. صب شاي عين عمك صب.
(للقصة بقية)
قال أبو جهاد متهكماً: يا حبيبي! ما بقي علينا غير أبو الجود يتفلسف ويستخلص عبر! لك خيو إنته احكي القصة بطريقتك المفشكلة وكتر الله خيرك.
انبرى كمال يرد على أبو جهاد بقصد أن يرفع من مزاج أبو الجود لكي يكون إلقاؤه للحكاية جميلاً:
- كل شي بيحكيه أبو الجود كويس، ونحنا اللي موجودين في هالسهرة منحب حكاياته ومننتظرها بفارغ الصبر.
قال أبو الجود: ولا يهمك أستاذ كمال، أنا راح إحكي القصة ومو مهتم لتعليقات أبو جهاد. بس عندي طلب زغير، وهوي إنكم تسعوا لنا بأبريق شاي ديري تقيل، لإني لما بحكي بينشف ريقي.
كان تحقيق هذا الشرط سهلاً، إذ سرعان ما أوصى صاحب البيت أبو ماهر أحد أبنائه على إبريق شاي تقيل.
قال أبو الجود: كان في إلنا صديق آدمي وحباب، إسمه مازن، هوي أعزب، بس الناس بينادوا له "أبو عبود" لأن والده اسمه عبود.. لكن في مرة من المرات أثناء وجودُه في المقهى صارت مشكلة، وكان في واحد من الموجودين سَمْعُه تقيل، صار يقول: متلما حكى أخونا أبو عبوش.. وبعد شوي قال: أخونا أبو عبوش بيعرف القصة.. ومازن صار يصحح له ويقول له: يا عمي أنا إسمي أبو عبود، مو أبو عبوش، فيرد عليه الرجل: ولو يا أبو عبوش، أنا بعرفك، الله يرحم أبوك عبوش كان من أعز صحابي! ومن يومها صرنا نحن رفاقه ننادي له: أبو عبوش. وهوي نفسه صار يعرّف على نفسه ويقول: محسوبكم مازن، أبو عبوش!
أصل الحكاية إنه لما كان السيد عبود، والد مازن على فراش الموت مسك إيده وقال له:
- يا إبني يا مازن أنا هلق رايح على ديار الحق، وبدي إنصحك نصيحة: شغلتين لا تقرب عليهن، تعاطي الحشيش، ومعاشرة أولاد الحرام.
قال مازن لأبوه: الحشيش بعرفه يَبُو، وأكيد ما راح إتعاطاه، بس كيف بدي أميز ولاد الحرام من أولاد الحلال؟ يعني بروح ع دائرة النفوس وبعمل جرد للدفاتر والسجلات؟
رد عليه أبوه وقال له: لا تفهمني غلط يا إبني يا مازن، بقصد إنك تتجنب معاشرة الناس اللي بيكونوا "ولاد حرام" بأفعالهم الوسخة، متل بعض المسؤولين في هالدولة اللي قاطعين رزقهم من الله وواصلينه بالناس. يخرب ديارهم، إذا ما سرقوا وتسلبطوا وفرضوا على الناس خُوَّات ما بيهنالْهم عيش.
قال مازن لأبوه: الله يطول عمرك يَبُو، اللي بده يعيش بهالبلاد مفروض عليه إنه يلتقي بالمسؤولين، ويتعامل معهم، وإذا هوي ما سعى لملاقاتهم هني بينطوا له كيف ما تحرك.. بقى أنا شلون بدي إحسن أبعد من طريقهم و..
وقبلما يكمل مازن كلامه كان والده مفارق الحياة. وأبو عبوش زعل عليه كتير، وقرر إنه يسمع نصيحته، ويلتزم فيها طول عمره وحياته.
قال أبو محمد: الله يرحمه. بتعرفوا يا شباب؟ أنا عجبتني هالقصة من أولها.
قال أبو الجود: وفي يوم من الأيام كان أبو عبوش عم يسوق الموتوسيكل وشارد، أجا قدامه باب دائرة حكومية، دخل في الباب، وتكسر البلور، وركضوا الناس والحراس، ومسكوه، وأجوا الشرطة، ونظموا فيه ضبط، وأحالوه عَ قاضي التحقيق اللي أمر بتوقيفه على ذمة التحقيق. لكن المسؤولين، ولاد الحرام على قولة المرحوم والده، طلعوا في طريقه "سَنْجَق عَرْض".. وهاي قصة تانية بتستحق إنكم تسمعوها مني.
قال كمال: منسمعها بكل حماس وسرور. تفضل.
قال أبو الجود: واحد مسؤول، عضو فرع الحزب، خلينا نقول اسمه "الرفيق محمود"، كان عم يزور رئيس أحد فروع المخابرات، وعم يحكوا بموضوعات كتيرة، وأجت سيرة الموتوسيكل اللي فات بباب المديرية. فقال محمود:
- أشو رأيك يا رفيق؟ معقولة تكون هاي عملية انتحارية جهادية؟
ومن دون ما يصفن رئيس فرع المخابرات قال للرفيق محمود:
- أكيد. ما في غير هيك!
ورفع سماعة التلفون وحكى مع قسم التحقيق، وقال لهم جيبوا لي إضبارة هادا مازن، أبو عبوش، أبو بطيخ، لنشوف هالحقير من أي جماعة إرهابية، ومين اللي بعته ليفجر نفسه بباب المديرية..
قال أبو ماهر: ولي. الظاهر إنه أبو عبوش بده يدخل بالحيط عن جد.
قال أبو الجود: نعم. ومتلما حكيت لكم من قبل؛ كان أبو عبوش بعده موقوف في السجن المركزي وقاعد مع أقدم سجين في السجن كله، العم أبو دباح، وعم يسأله:
- يا ترى دخول رجل عم يسوق موتوسيكل في دائرة حكومية قديش حكمه؟
فضحك أبو دباح وصار صدره يشختر إخ كخ ترخّ.. وقال له:
- الحكم تبعه في الحد الأقصى شهر. بتعرف أنا شقد محكوم؟
قال له أبو عبوش: لا والله ما بعرف. شقد؟
قال السجين: خمسطعش سنة. بتعرف لو أنا محكوم شهر واحد متل حكايتك شلون بمضّي هالشهر؟
قال أبو عبوش: شلون؟
قال: بنام الشهر كله وأن رافع رجلي لفوق وراسي لتحت متل السعدان!
وبلش أبو دباح يضحك ويشختر، والتفت ع المساجين التانيين وعطاهم إشارة حتى يضحكوا، وصاروا يضحكوا بالفعل. وأبو عبوش رغم الحالة النفسية اللي كان عم يعيشها صار يضحك، وخاصة لما تصور "أبو دباح" وهوي منزل راسه لتحت ورافع رجليه لفوق.
ع كل حال أبو عبوش صار يضحك لإنه هالمسكين ما بيعرف إنه القضية تبعه صارت قضية أمن دولة.
قال أبو إبراهيم متشوقاً: طيب وبعدين؟
قال أبو الجود وهو ينظر بطرف عينه إلى الباب الذي فتحه إبن أبو ماهر ودخل حاملاً أبريق الشاي والكؤوس:
- بدي إحكي لكم أيش صار معه بالتفصيل، لكن بعدما أبل ريقي. صب شاي عين عمك صب.
(للقصة بقية)