دروس من تألق المنتخب المغربي في مونديال قطر
مصطفى العادل
لم يتوقع أحد منا أَن تصل الكرة المغربية إلى ما وصلت إليه في كأس العالم التي أقيمت في قطر العام الماضي، فقد بلغ المنتخب المغربي الدور النصف نهائي مقصياً منتخبات كبيرة مثل إسبانيا والبرتغال، مقدّماً في ذلك دروساً كبيرة للعالم بأكمله في الأخلاق والإنسانية الوطنية، وغيرها.
ومما يثير الانتباه أنّ المنتخب المغربي قدّم صورة لتجانس اللاعبين المحترفين الذين يلعبون في كبار الأندية الرياضية في العالم مع اللاعبين الذين ينشطون في الأندية المغربية، وتأكّد للعيان أنّ الوطنية إحساس متجذر في القلب، ووفاء يظل راسخاً في الأقوال والأفعال مهما بعد المرء عن وطنه، فقد كان حب المغرب ورفع رايته وإيصال اسمه إلى العالم بأسره همّ اللاعبين وطاقم المنتخب بأكمله.
لقد تعلمنا الشيء الكثير من نجاحات المنتخب المغربي في قطر، منه حب الوطن والوفاء له، والسعي دائماً إلى رفع رايته، وإيصال قيمه الإنسانية والأخلاقية إلى العالم، وأنّ الارتباط بالوطن وقيمه العليا هو المفتاح الأهم لكلّ نجاح. ومن جهة أخرى، فقد كتب الكثيرون عن قيم برّ الوالدين المتجسدة في دعم الأمهات وحضورهن في الملاعب بصورة استثنائية، وقيم التوكل على الله والاعتماد عليه، والإيمان الراسخ بقاعدة النية في كل شيء... هذه الدروس وغيرها كانت محطّ اهتمام الكتاب والمدونين خلال فترة كأس العالم وما بعده، وما زال الكثير من الكتاب يتخذونها موضوعاً لكتاباتهم اليومية.
وعلى غرار الذي سبق، رأيت أن أركز على مسألة مهمة، هي ضرورة إعادة نشر الأمل في أمتنا، فقد استطاع مونديال قطر أن يبيّن زيف الكثير من المغالطات والأفكار التي قيّدت تفكيرنا منذ عقود من الزمان، بدءاً بالتنظيم المثالي الذي تجاوزت به قطر البلدان التي سبق أن نظمت البطولة، وصولاً إلى الانتصارات المهمة التي حققتها المنتخبات الأفريقية والعربية على المنتخبات الكبيرة المرشحة للفوز باللقب، ومنها تونس والسعودية وجنوب أفريقيا ثم المغرب.
الوطنية إحساس متجذر في القلب، ووفاء يظل راسخاً في الأقوال والأفعال مهما بعد المرء عن وطنه
من أهم التحديات التي يجب أن نتصدّى لها في المرحلة القادمة هي هذه الحرب الفكرية والنفسية التي صنعها الغرب خلال عقود من الزمن، فتوهمت الشعوب المستضعفة أنها لن تتمكن من المنافسة والعودة إلى الساحة للمشاركة في صناعة الأحداث وكتابة التاريخ.
لقد آن الأوان لنعرف قوتنا ونؤمن بقدرتنا، علينا جميعا أن نرفع شعار: "إننا قادرون"، ليس في الرياضة فحسب، بل في السياسة والعلم والاقتصاد، علينا أن ندرك أنّ ما نملكه الآن، وما نتوفر عليه من طاقات ومؤهلات، وما نتميز به من خصال وقيم، بإمكانه أن يفتح لنا الطريق نحو الأفضل. علينا أن نعمل جاهدين لإزالة التفوّق الغربي من عقول الأجيال الصاعدة، علينا أن نساهم في تربية جيل يفتخر بما نملك، وما نؤمن به في صناعة المستقبل السعيد الذي نريده للإنسانية والكون والوجود.
لا شك أنّ هذه مهمة كبيرة، وهي مهمة الدول، وتحتاج إلى قرارات رسمية حاسمة من أجل إعادة الاعتبار لشعوبنا، وإعادة إحياء الأمل والتفاؤل في صفوف الأجيال. وفي انتظار أن تعمل الدول على بناء قرارات وتصوّرات إجرائية في ذلك، لا بد أن يساهم الأفراد في صناعة هذا الوعي الجماعي، وعلى كلّ فرد أن يبذل جهده لبناء صرح هذا الإدراك، ويعزّز الثقة والتفاؤل في صفوف شباب اليوم وأطفاله، لأنهم أعمدة هذه الأمة في المستقبل.