رياضة.. المناطحة مع الجحش خاسرة (8)
- سَمَعْ شباب. نحن جينا لهون حتى نلعب ونتسلى وننبسط، وعلى قولة المتل، اللي إلُه عمر ما بتقتله الشِدّة، وعلى قولة المتل التاني: ما حدا بيموت إلا في اليوم المقدر له، يعني بالعربي: إذ انشق راسك، أو انجرحت إيدك، أو تعور ظهرك، أو انفشخت، نحن ما إلنا علاقة، وكل إنسان بيحط إيده على راسه، وبيعرف خلاصه! قبول؟
فيصيح الجميع: قبول.
كان بيننا نحن اللاعبين شخص اسمه "طلال"، يستحيل أن تقبل به قوانين الفيفا لاعباً في أي فريق رياضي، ولا حتى في فرق الدرجة الثالثة، فهو قصير، ومدعبل، ومنظره يوحي لرائيه بأن أي حركة أكروباتية يُجريها أثناء اللعب، كالقفز، أو الزحلقة، أو الاستلقاء على الظهر وضرب الكرة بطريقة الـ دَبْل كيك ستجعله (ينفشخ)، أو (يطقّ له عِرْق) أو ما شابه ذلك من أخطار.
لعب طلال بداية في مركز حارس المرمى، وكان يتسلى، حينما تبتعد الكرة عن مرماه بضرب رأسه بالقائم الأيمن أو الأيسر، ولأنه قصير لم يكن قادراً أن يقفز ويضرب رأسه بالعارضة، وحينما يتوقف اللعب كان يعرض رأسه على اللاعبين والمتفرجين، ليتأكدوا من أنه لم يصب بأذى، وكان يقول، منكتاً على نفسه:
- راسي، من دون يمين يا شباب، أقوى من الشاقوف!
انتقل طلال، بعد ذلك، إلى موقع قلب الدفاع، وكانت له في لعبة الساطبول مصطلحات لا يعرفها ولا يستخدمُها أحدٌ غيره في العالم، وهي مصطلحات مشتقة من الزراعة، والفلاحة.. فكان يصف وقوفه وصموده في منطقة الدفاع بأنه يشبه القباع (الحجر الذي يوضع بين أرضين متجاورتين لتحديد ملكيتهما).. ويقول للمدرب أثناء شرح الخطة، متحدثاً عن مهاجمي الفريق الخصم، رأسي الحربة:
- اترك لي هـ الكديشين، وأنا بعرف أتصرف معهم!
ويقول عن قلب الهجوم الفاشل: هادا متل الدواب اللي بتاكل شعير قبل السباق، لما بيخلص مفعول الشعير بتضعف وبتفلت وبتوقع.
ويقول: أنا إذا ضاقت فيني الدنيا بستعمل هادا. (ويشير إلى رأسه)، ويتابع ضاحكاً: قرمة حطب!
ينقسم هواة كرة القدم "الساطبول" في البلدة، عادةً، إلى فريقين، أحدهما يدعى فريق الحارة الغربية الذي يتزعمه طلال، والثاني فريق البلدة كلها.
في إحدى المباريات قفز قلب هجوم الخصم الكابتن "عمار" الذي يسميه طلال "عرق النعناعة"، متصدياً لكرة عرضية على أمل أن يودعها في المرمى. وكان قلب الدفاع طلال قد قفز، في الوقت نفسه، ليقطع الكرة برأسه، واصطدم رأساهما ببعضهما بقوة، وسقطا على الأرض.
بالطبع، وكالعادة، لم يصب رأس طلال بأذى، وأما رأس "عمار" فقد انشق، ونفر منه الدم بغزارة، مما اضطر عناصر الفريقين إلى التوقف عن اللعب، وحملوه إلى البلدة، واستأجروا سيارة وحملوه إلى المستشفى الوطني بإدلب، وخيّط الطبيب المناوب رأسَه بست قطب!
في اليوم التالي اشترى طلال صندوق شوكولاته، وذهب ليعود عماراً في منزله.. وبعدما اطمأن على صحته قال له:
- الله يصلحك يا عمار.. شفتني وأنا طالع أصد الكرة، المفروض فيك تبعد عنها.. ما بتعرف أنّ راسي متل راس الجحش بلا مؤاخذة؟!