ماذا يفعل زعيم المعارضة التركية في المطبخ قبيل الانتخابات؟
أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات التركية، هذه الانتخابات المصيرية، التي أصبحت الهمّ الشاغل للشارع التركي والعربي والعالمي أيضاً، وذلك بسبب انعكاس نتائج هذه الانتخابات على جميع الملفات الإقليمية والدولية، وحضور تركيا في العديد من الملفات على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي، الذي يعتبره البعض جسراً يصل بين الشرق والغرب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تدلي الأحزاب التركية بدلوها، وتخرج كلّ ما في جعبتها من وعود وبرامج وحملات انتخابية بغية الحصول على عدد كبير من الأصوات للوصول إلى الحكم.
وتختلف أساليب الدعاية الانتخابية من تحالف لآخر، حيث نرى تركيز تحالف المعارضة أو ما يسمّى "الطاولة السداسية" على الطبقة البسيطة، التي تهتم بالأساسيات المعيشية وتهمل المشاريع التنموية الاستراتيجية، وهذه الطبقة موجودة في تركيا، لذلك تحاول المعارضة التركية استهدافها استهدافاً مدروساً، حيث نرى زعماء الطاولة السداسية يجوبون الشوارع ويتصوّرون عمداً مع شخصيات من الشارع التركي، من أصحاب دكاكين وعمال وموظفين صغار... ويخبرونهم أنّ الطاولة السداسية هي الأمل الوحيد لخلاص تركيا من غلاء الأسعار والتضخم.
يركز تحالف المعارضة أو ما يسمّى "الطاولة السداسية" على الطبقة البسيطة، التي تهتم بالأساسيات المعيشية وتهمل المشاريع التنموية الاستراتيجية
ولهذه الأسباب، نرى في الفترة الأخيرة العديد من المقاطع المصوّرة لزعيم المعارضة التركية، كمال كلجدار أوغلو، وهو يخاطب الشعب التركي من المطبخ وأمامه كاسة شاي وخلفه المغسلة، لكي يرسل رسائل إلى المواطن التركي، أنه يعيش مثلهم، وحاله من حالهم. ولم يقف الأمر عند هذه الدرجة، بل أصبح أوغلو يستضيف رؤساء الأحزاب المعارضة أيضاً في المطبخ، كما فعل مع رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي بابا جان، والبعض يتساءل: لماذا المطبخ؟! ألا يوجد مكان آخر؟
المطبخ له خصوصية في الثقافة التركية، حيث إنّ الاستقبال والجلوس مع الشخص في المطبخ دليل تقرّب وتآخٍ وتواضع، ولهذا يصرّ زعيم المعارضة على تكريس صورته، وهو في المطبخ في ذهن المواطن التركي قبل الانتخابات، كي يحسّ المواطن التركي بأنّه شخص قريب عليه، يفهمه ويعلم مشاكله الحياتية، وخصوصاً إذا تكلم عن الأمور المعيشية بصراحة، حيث وعد في أحد الفيديوهات، وهو يمسك البصل في يده، بتخفيض سعره في حال وصول المعارضة إلى السلطة. ولم يتوقف الأمر عند زعيم المعارضة، بل رأينا زوجته أيضاً تنشر صوراً في مواقع التواصل الاجتماعي في المطبخ، وهي تحتفل بشراء زوجها لها ماكينة قهوة متواضعة!
ولكن هل هذه الصورة صحيحة، أم أنها دعاية انتخابية؟
نعلم أنّ كمال كلجدار أوغلو يترأس حزب الشعب الجمهوري منذ سنوات طويلة، وفي السابق شغل مناصب عديدة، ولديه العديد من السيارات الحديثة، وعندما يزور المدن التركية يذهب بطائرة خاصة ذات ثمن مرتفع، بالإضافة إلى إقامته في الفنادق الفارهة في المدن التركية المختلفة. لهذا، أعتقد أنّ ما يفعله كمال كلجدار أوغلو عبارة عن حملة انتخابية تستهدف المواطنين البسطاء، ولكن ما يفعله سيكون ذا حدّين، فالبعض سيصدّقه ويتأثر به، والبعض الآخر سينفر منه بسبب هذا الأسلوب الاستغلالي لأوضاع الناس.
الاستقبال والجلوس مع الشخص في المطبخ دليل تقرّب وتأخي وتواضع
من الممكن أن تكون هذه الفكرة نابعة منه أو من مستشاريه، ومن الممكن أن تكون نابعة من فريق تسويق أجنبي، حيث ذكر بعض الصحافيين الأتراك أنّ حملة كمال كلجدار أوغلو الانتخابية، تُدار من قبل شركة كانت قد أدارت الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، باراك أوباما، حسب قولهم.
وتكلموا أيضاً عن نقاط الشبه بينهم من حيث القميص الأبيض وتشمير اليدين في أثناء الخطابات والابتعاد عن المظهر الرسمي (الطقم وربطة العنق) لكي يظهر نفسه أنه قريب من الشعب التركي.
وكما يُقال، الغاية تبرّر الوسيلة، والآن نحن في أعتاب انتخابات مصيرية، لذلك كلّ مرشح يحاول أن يظهر ما لديه من أوراق، وخصوصاً إن كان كبيراً في السن مثل كمال كلجدار أوغلو والرئيس رجب طيب أرودغان، فهذه فرصتهما الأخيرة، إما أن تكون أو لا تكون.
وفي النهاية، إنّ الشعب هو من سيكون الفيصل، وهو من سيختار رئيسه القادم، وأنا أومن بأنّ الشعب التركي سيختار من يستحق أن يحكم تركيا.