سؤال الساعة: ماذا نفعل؟
نحن، أبناء الضفة الغربية، الذين ترعرعنا على "الرفاهية" مقارنةً بقطاع غزة، ولم نعش ويلات الحروب، ماذا يتوجب علينا أن نفعل في هذه المرحلة!
وفي الإجابة عن هذا التساؤل، لا أستطيعُ أن أُنصّب نفسي سيدًا يُلقي خطابًا وتوجيهًا على كاهل السامعين، "فمن أنا لأقول لكم ماذا أقولُ لكم"، والإجابة هذه تستثني المخيّمات الفلسطينية، مخيم جنين مثلًا، فقد سبقني بالإجابة.
وبعد..
قد أُجيب عن هذا التساؤل بشكلٍ حماسيّ، كالدعوة إلى النفير العام، وخروج الفدائيين والالتقاء بالاحتلال الإسرائيلي على خطوط التماس، وهذا أمرٌ مُبرَّرٌ وحميد؛ فهو يعد فتح جبهة ثانية تُسند الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ولكن، معظم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، لا يملك من أدوات القتال شيئًا سوى حجر مقابل مدرعةٍ وجيش مدجّج بالسلاح. فإذا خرجوا أفرادًا عُزّلاً إلى نقاط التماس، قد يُحدِثُ الاحتلالُ مجزرةً بحقهم، ولم يغيّروا شيئًا واقعيًا، سوى على الصعيد النفسي والأيديولوجي، كأن يُثبتوا فكرة عظيمةً تتمثلُ في الرفض، رفض الوجود الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ورفض العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، وبهذا، يشكلون دعمًا نفسيًا للمقاومة وللسكان في غزة.
وقد، تتدحرجُ هذه الخطوة، لتشمل كلّ أنحاء الضفة، وتتحرّك كلّ الضمائر في نفوس من يمتلكون أدوات القتال، مما يقود إلى انتفاضةٍ ثالثة، قد تُحقّق نتائج ملموسة على صعيد الوجود الإسرائيلي، فتقلّل منه، وتحد من بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، وقد لا تُحقق. هذه تظل من الاحتمالات "المتفائلة"، بمعنى أنّها أفكار على سبيل التمني، ليست أكيدة وواردة. وقد يحدث عكسها تمامًا، كالقضاء على الوجود الفلسطيني بأكمله، وذلك بارتكاب المجازر والتهجير القسري.
علينا رفض كلّ أشكال التخاذل والفساد في السلطة الفلسطينية، إلى حين الوصول إلى كيان فلسطيني قادر على الدفاع عن قضيته
قد يقول قائل، إنّ لكلّ مطلبٍ من المطالب الحياتية تضحيات وثمناً، وثمن الفلسطينيين في مطلبهم وسعيهم باتجاه الحرية هو اجتثاثهم من الأرض وقتلهم. وهنا، يقول الشاعر الفلسطيني، تميم البرغوثي: "ينادوها نموت إحنا وتعيشين/ لمين تعيش لو ماتوا أهاليها!"، فالسؤال الجوهري، لمن ستبقى الأرض إذا غادر سكّانها؟ ولمن سيبقى البيتُ إذا لملموا ساكنيه بالموت؟ يقول في هذا الصدد أيضا، الشاعر الراحل، محمود درويش: "البيوت تموتُ إذا غاب سكانها".
وبهذا، يبدو لي، كمدنيّ، يملكُ أداةَ قتالٍ ناعمة، تتمثلُ نسبيًا في الكتابة، أنّ الأجدر بنا أن نحافظ على بقائنا وحياتنا، وأن نصمد دون تأفّف، وأن نعزّز من وجودنا كتابةً ورسمًا وغناءً وتعليمًا وثقافة، وأن نعرف كيف ومتى وبواسطة ماذا نعبّر عن قضيتنا الفلسطينية، ونفضح جرائم الاستعمار الإحلالي الإسرائيلي، ونعقد الندوات والحوارات الثقافية التي تجسّد الهوية الفلسطينية وتاريخها، وتعمّق الفكر الرافض للوجود الإسرائيلي بكلّ أشكاله. بالإضافة إلى رفض كلّ أشكال التخاذل والفساد في السلطة الفلسطينية، إلى حين الوصول إلى كيان فلسطيني قادر على الدفاع عن قضيته.
في نهاية الأمر، تكمن الإجابة عن تساؤل "ماذا نفعل" بحل ذي حدين، بالمغامرة والدخول في اشتباكات فدائية ضد العدو، وهذا الأمر يلزمه الكثير من الحسابات التنظيمية والتكتيكية للعتاد والتحرّكات. بالصمود والثبات على الأرض، والمحافظة على البقاء، وتعزيز الوجود والهوية الفلسطينية، ورفض التخاذل والفساد الرسمي في المؤسسات الفلسطينية، وذلك إلى حين تجلّي كيان أو سلطة أخرى لهذه المؤسسات قادرة على تحقيق الحرية.