سقطت الأقنعة
مع استمرار المعركة البطولية لـ"طوفان الأقصى" التي كسرت ظهر العدو الصهيوني الاحتلالي أكثر ثلاثة أسابيع.. سقطت معظم الأقنعة المخفية تحت العناوين الزائفة، وكشفت ما كان مخفيًا، وانكشف الطبق الرقيق الذي كان العدو الصهيوني وأميركا والدول الغربية والعربية والإقليمية تحاول تغطيته، كاشفة الوجه الأبشع الذي كان أسفله: صور للعجز والتواطؤ والخيانة.
ما يجري في غزة وما زال مستمرًا حتى اليوم هو حدث يتجاوز التخيل على جميع الأصعدة. كيف استطاعت غزة، المحاصرة منذ سنوات قليلة، أن تتحول إلى قوة عسكرية ضاربة تسيطر على مساحتها مرتين وتستعيد المستوطنات التي احتلها العدو؟
سقطت العديد من الأقنعة، وما زالت الأقنعة الأخرى تسقط واحدة تلو الأخرى: سقط قناع "التضامن العربي والإسلامي" وقناع "دعم الأقصى"، تمامًا مثل قناع. سقط قناع "الالتزام العربي"، وقناع "وحدة المصير"، وقناع "حقوق الإنسان"، وقناع "التطبيع العربي". سقط قناع "مدافعي قضية الشعب الفلسطيني" وغيرها من الأقنعة التي فقدها الأفراد الضعفاء على مر العقود.
على الرغم من سقوط جميع هذه الأقنعة، ستبقى "أسطورة الجيش غير القابل للهزيمة" أو "المتفوق" هي أكبر الأقنعة التي انهارت وسقطت في انهيار عميق في غضون ساعات قليلة أمام إرادة تحرير فلسطين كاملة من المحتلين والاحتلال.
ربما يكون قناع حقوق الإنسان هو أول ما سيسقط، خاصة في الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان نهارًا وليلاً
ربما يكون قناع حقوق الإنسان هو أول ما سيسقط، خاصة في الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان نهارًا وليلاً. خرجت جميع الوكالات الرسمية للغرب للإعلان عن دعمها الكامل وغير المشروط للجيش المهزوز للعدو الصهيوني، في منتصف تنفيذ تضخيم وتفوق واضح من العنصرية.
إذا اعتبر وزير الحرب الصهيوني أن الفلسطينيين "حيوانات وسيتم التعامل معهم على هذا المبدأ"، فإن جميع المسؤولين والسياسيين الغربيين، بقيادة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسة اللجنة الأوروبية فون ديرلاين، اعتبروا الحرب "حربًا ضد الإرهابيين في غزة".
تؤكد الحقيقة أن سقوط هذا القناع لا يرتبط فقط بما يجري اليوم في غزة، وإنما بجميع الجرائم التي ارتكبها الغرب في البلدان العربية والإسلامية في اليمن والعراق وسورية وأفغانستان ولبنان وجميع البلدان التي احتلها الغرب على مر القرون الأخيرة.
أما قناع "التضامن العربي"، و"الالتزام العربي"، و"وحدة المصير"، و"التطبيع العرب"، وكل ما يتعلق بالعرب، فقد سقط في الوقت الذي تقوم فيه الدول الغربية بشحن الأسلحة والجنود والأموال لدعم جيش العدو الصهيوني الاحتلالي. رضعت الدول العربية الكلمات والخطب التي تدعو إلى الهدوء والمساواة بين الجانبين، باستثناء حالات نادرة وتعبر في أغلبها عن أفراد أو تيارات سياسية.
معبر رفح الذي يفصل قطاع غزة عن مصر هو أفضل مثال على هذا الانهيار. انعطفت شاحنات المساعدات الإنسانية بعد تهديد الكيان المحتل بقصفها. حتى قصف الممر مرارًا دون رد فعل جدّي من مصر، حتى لا تكاد تكون هناك احتجاجات زائفة. وحتى بعد ذلك، وصلت الصواريخ إلى عمق مصر، ولم تتحرك مصر الشقيقة.
هناك أيضًا دول تدعي العروبة والإسلام، "نددت بالتصعيد الفلسطيني الذي تقوده مجموعات إرهابية ضد المدنيين في إسرائيل" وفقًا لبياناتها. أما جامعة الدول العربية، فاكتفت ببيانات ضعيفة، كالمعتاد، ولم تستطع حتى رفع رأسها لقول كلمة الحق والدعوة إلى ما هو عادل.
الأمر الأكثر براعة هو الصمت العربي الصاخب الذي طاول جميع الشخصيات والوجوه العربية المعروفة في مجالات الرياضة والفن والفكر وغيرها، باستثناء حالات نادرة هنا وهناك.
الملفت للانتباه أنه تمامًا كما سقطت الرهانات والأقنعة، أعادت معركة "طوفان المسجد الأقصى" قضية فلسطين إلى الواجهة واستعادت القضية ثقلها الإقليمي والعالمي، عكس الكيان الصهيوني الذي أظهر فلسفته التدميرية وعنصريته.