02 سبتمبر 2024
سمر رمضاني إدلبي (13)
أبو قدور سقط على دروب النضال
دخلت شخصية بائع المازوت الإدلبي "أبو قدور" إلى ميدان التداول في سهرة السمر الرمضاني بطريقة سلسة، وجذابة.
كان الرفاق في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قد لاحظوا، في أوائل السبعينات بعد نجاح انقلاب حافظ الأسد الذي عرف باسم "الحركة التصحيحية"، أن جماهيرية حزب البعث منتشرة في أرياف محافظة إدلب، وبالأخص الأرياف الشمالية الغربية ومنطقة المعرة، وأما أهل (إدلب المدينة) فليس لديهم إقبالٌ على الانتساب إلى هذا الحزب العظيم! ولذلك أصبح الرفاقُ البعثيون من سكان المدينة مطالَبين بأن يسعى كل واحد منهم لتنسيب عضو أو أكثر إلى صفوف الحزب، وبالفعل ازداد هذا النشاط وأصبح بالإمكان الحديث عن مبدأ "التنسيب العشوائي".. وخلال ذلك استطاعت مجموعة بعثية إقناع بائع المازوت "أبو قدور" بملء طلب انتساب، واشترى أحدُ الرفاق من هذا الرفيق الجديد مئة ليتر مازوت المتبقية في العربانة، بقصد أن يجنبه البهدلة التي يمكن أن يتلقاها من أبو حمدو قزيز عامل محطة المحروقات التي يتعامل معها، وعلى كل حال أبو حمدو رجل زكرتي ومعدل، وأحسن من صاحب الكازية السابق، الذي شبهه أبو قدور بالكلب الصقاقي، لأنه طوال اليوم وهو يصرخ ويعوي، ولسانه (اللهم عافنا) شبيه بمقص الإسكافي الذي لا يقص إلا على نجاسة.
قلت محاولاً استكمال السيرة:
- بعدما انتسب "أبو قدور" للحزب صار بينه وبين الرفاق مزح وأنكلة ووحدة حال وخوش بوش، وصاروا يمزحوا معه ويقول له واحد منهم: ديرْ بالك يا أبو قدور تتخاذل وتتساقط ع دروب النضال ترى النضال في الحزب ما معه لعبة.. ويقول له التاني: النضال يا أبو قدور بده صبر، يعني مو تجي لعندنا بعد شهرين وتقول نزلوا اسمي بقائمة الجبهة، وإنه اللي عم يصيروا أعضاء بمجلس الشعب مو أحسن مني.. يا سيدي علي الطلاق هني مو أحسن منك، بس معهم مصاري وعم يدفعوا، والمتل بيقول إنه اللي عنده بهار بيرشه على شوربة العدس اللي بتطبخها أمه. وفي مرة قال له صديقه المرح أبو الناجي نعسان آغا:
- يا أبو قدور أنا بدي أسألك سؤال؛ العروس اللي كانت تسكن مع بيت حماها كيف كانوا يتعاملوا معها؟
ضحك أبو قدور وقال له: والله يا خاي أبو الناجي ما بعرف شلون بيت حماها بيتعاملوا معها، أما شلون بيتعامل معها زوجها فعندي فكرة عن هالموضوع.
أبو الناجي: أنا راح أقلك شلون بيتعاملوا معها. بيقولوا إنه العروس لازم تكون مطيعة، وكلامها قليل، وحتى أكلها قليل. وفي عندنا متل شعبي بيقول (العروس بعقلا وقلة أكلا).
أبو قدور: قلة أكلا؟ يخرب بيتهم شقدهم بهايم، كمان بدهم يجوعوها؟
وسكت أبو قدور شوي وبعدها قال لأبو الناجي: طيب إنته ليش عم تقلي هالحكي؟
أبو الناجي: منشان تعرف إن البعثي الجديد متل العروس، لازم ينفذ الأوامر، ويقلل حكي وعلاك فاضي، وهيك بيبقى صامد وما بيتساقط ع دروب النضال!
مرة تانية ضحك أبو قدور وقال: في مَتَلْ تاني يا أبو الناجي بيقول (العروس اللي مَهرا جاجة طلاقَا كش)، يعني أنا كل هالحزب مو مكلف علي شي، وبدقيقة بترك وبقول للشباب: بحفض صرمايتي.
أبو محمد: بتعرفوا يا شباب؟ الحمد لله اللي جمعنا هون في إسطنبول، وخلانا نسمع هالقصص الكويسة. أي أنا طول عمري ما فكرت إنه بياع المازوت ممكن يشغلوه بالسياسة.
أبو المراديس: بحسب ما حكى لي أبو الناجي إنه في يوم من الأيام، في أوائل السبعينات، أجت برقية من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، موجهة للرفاق في فرع الحزب، بتنص على إنه لازم ينعمل الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس الحزب في بلدة حارم اللي كان فيها الصراع قوي جداً بين الحزب والإقطاع، حتى إنه في يوم من الأيام انقتل محمد ديب قريع، أول شهيد بعثي على أيدي الإقطاعيين.. وطبعاً فرع الحزب لبى توجيهات القيادة القطرية بحماس، وعقدْ اجتماع موسع في صالة الخنساء لدراسة الخطط اللازمة لإقامة احتفال بيليق بعظمة هالحزب الجماهيري الرائع، وقام أمين الفرع بتوزيع المهام على المكاتب الفرعية والشعب الحزبية، وبالنتيجة، وبالخلاصة، تم تكليف الرفيق "أبو قدور" بأول مهمة نضالية، وهي الذهاب إلى حارم ضمن مجموعة كبيرة من الرفاق المناضلين، للقيام بهذا الواجب القومي، وكان نصيبُه إنه يروح في أول نقلة، لأنهم شحنوا الرفاق في ست باصات من يلي صادروها من كاراج العنداني، وطلبوا من السائقين إنه يتوقفوا اليوم عن السفر إلى حلب ودمشق، وأكدوا لهم إنه فرع الحزب مستعد يعطيهم تعويض عن العطل والضرر.. المهم، الباصات فرغت أول حمولة من الرفاق المناضلين في حارم، ورجعت لإدلب حتى تجيب نقلة تانية، وبهالفترة بلشوا الرفاق يهتفوا ضد الاستعمار والصهيونية والإمبريالية العالمية، وضد الرجعية والإقطاع.. وكان هادا آخر شي بيشوفه الرفيق أبو قدور.
أبو جهاد: يعني بعدها فقد بصره وما عاد يشوف؟
أبو المراديس: لما راح صديقنا أبو الناجي لعند الرفيق أبو قدور ع البيت بعد الحادثة، لقاه متسطح على الصوفاية، وزوجته أم قدور حاطة ع جبينه كمادات مي باردة، حرارته مرتفعة وعم يئن ويعن، وعم يقول: آخ يا إمي دخيلك.. سأله أبو الناجي:
- خير؟ إشبك يا أبو قدور؟ الظاهر إنه النضال ضد الإمبريالية ما واتاك؟
أبو قدور: مو بس النضال ما واتاني.. أنا كل هالحزب ما كان لازمني. ولاك خاي أنا بياع مازوت، وطول النهار ساحب هالكديش وعم إمشي بالصقاقات، بقى إذا سقط الإقطاع ولا بقي، أيش فارقة مع قفا صرمايتي؟
أبو محمد: طول بالك يا أبو المراديس. إنته هيك شوشتنا. بالأول كان أبو قدور في حارم وعم يعيش ويسقط. بعد شوي صار في بيته بإدلب وعم يعن ويندب حظه. طيب أيش اللي صار في حارم وأيش اللي جاب أبو قدور ع البيت؟
أبو المراديس: الحقيقة صارت أشياء طريفة كتير. ممكن نحكيها بعدما ناخد استراحة. يا ريت كمال يوقف الاتصال. وشي ربع ساعة منرجع ومنلتقي.
(للقصة بقية)
دخلت شخصية بائع المازوت الإدلبي "أبو قدور" إلى ميدان التداول في سهرة السمر الرمضاني بطريقة سلسة، وجذابة.
كان الرفاق في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قد لاحظوا، في أوائل السبعينات بعد نجاح انقلاب حافظ الأسد الذي عرف باسم "الحركة التصحيحية"، أن جماهيرية حزب البعث منتشرة في أرياف محافظة إدلب، وبالأخص الأرياف الشمالية الغربية ومنطقة المعرة، وأما أهل (إدلب المدينة) فليس لديهم إقبالٌ على الانتساب إلى هذا الحزب العظيم! ولذلك أصبح الرفاقُ البعثيون من سكان المدينة مطالَبين بأن يسعى كل واحد منهم لتنسيب عضو أو أكثر إلى صفوف الحزب، وبالفعل ازداد هذا النشاط وأصبح بالإمكان الحديث عن مبدأ "التنسيب العشوائي".. وخلال ذلك استطاعت مجموعة بعثية إقناع بائع المازوت "أبو قدور" بملء طلب انتساب، واشترى أحدُ الرفاق من هذا الرفيق الجديد مئة ليتر مازوت المتبقية في العربانة، بقصد أن يجنبه البهدلة التي يمكن أن يتلقاها من أبو حمدو قزيز عامل محطة المحروقات التي يتعامل معها، وعلى كل حال أبو حمدو رجل زكرتي ومعدل، وأحسن من صاحب الكازية السابق، الذي شبهه أبو قدور بالكلب الصقاقي، لأنه طوال اليوم وهو يصرخ ويعوي، ولسانه (اللهم عافنا) شبيه بمقص الإسكافي الذي لا يقص إلا على نجاسة.
قلت محاولاً استكمال السيرة:
- بعدما انتسب "أبو قدور" للحزب صار بينه وبين الرفاق مزح وأنكلة ووحدة حال وخوش بوش، وصاروا يمزحوا معه ويقول له واحد منهم: ديرْ بالك يا أبو قدور تتخاذل وتتساقط ع دروب النضال ترى النضال في الحزب ما معه لعبة.. ويقول له التاني: النضال يا أبو قدور بده صبر، يعني مو تجي لعندنا بعد شهرين وتقول نزلوا اسمي بقائمة الجبهة، وإنه اللي عم يصيروا أعضاء بمجلس الشعب مو أحسن مني.. يا سيدي علي الطلاق هني مو أحسن منك، بس معهم مصاري وعم يدفعوا، والمتل بيقول إنه اللي عنده بهار بيرشه على شوربة العدس اللي بتطبخها أمه. وفي مرة قال له صديقه المرح أبو الناجي نعسان آغا:
- يا أبو قدور أنا بدي أسألك سؤال؛ العروس اللي كانت تسكن مع بيت حماها كيف كانوا يتعاملوا معها؟
أبو الناجي: أنا راح أقلك شلون بيتعاملوا معها. بيقولوا إنه العروس لازم تكون مطيعة، وكلامها قليل، وحتى أكلها قليل. وفي عندنا متل شعبي بيقول (العروس بعقلا وقلة أكلا).
أبو قدور: قلة أكلا؟ يخرب بيتهم شقدهم بهايم، كمان بدهم يجوعوها؟
وسكت أبو قدور شوي وبعدها قال لأبو الناجي: طيب إنته ليش عم تقلي هالحكي؟
أبو الناجي: منشان تعرف إن البعثي الجديد متل العروس، لازم ينفذ الأوامر، ويقلل حكي وعلاك فاضي، وهيك بيبقى صامد وما بيتساقط ع دروب النضال!
مرة تانية ضحك أبو قدور وقال: في مَتَلْ تاني يا أبو الناجي بيقول (العروس اللي مَهرا جاجة طلاقَا كش)، يعني أنا كل هالحزب مو مكلف علي شي، وبدقيقة بترك وبقول للشباب: بحفض صرمايتي.
أبو محمد: بتعرفوا يا شباب؟ الحمد لله اللي جمعنا هون في إسطنبول، وخلانا نسمع هالقصص الكويسة. أي أنا طول عمري ما فكرت إنه بياع المازوت ممكن يشغلوه بالسياسة.
أبو المراديس: بحسب ما حكى لي أبو الناجي إنه في يوم من الأيام، في أوائل السبعينات، أجت برقية من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، موجهة للرفاق في فرع الحزب، بتنص على إنه لازم ينعمل الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس الحزب في بلدة حارم اللي كان فيها الصراع قوي جداً بين الحزب والإقطاع، حتى إنه في يوم من الأيام انقتل محمد ديب قريع، أول شهيد بعثي على أيدي الإقطاعيين.. وطبعاً فرع الحزب لبى توجيهات القيادة القطرية بحماس، وعقدْ اجتماع موسع في صالة الخنساء لدراسة الخطط اللازمة لإقامة احتفال بيليق بعظمة هالحزب الجماهيري الرائع، وقام أمين الفرع بتوزيع المهام على المكاتب الفرعية والشعب الحزبية، وبالنتيجة، وبالخلاصة، تم تكليف الرفيق "أبو قدور" بأول مهمة نضالية، وهي الذهاب إلى حارم ضمن مجموعة كبيرة من الرفاق المناضلين، للقيام بهذا الواجب القومي، وكان نصيبُه إنه يروح في أول نقلة، لأنهم شحنوا الرفاق في ست باصات من يلي صادروها من كاراج العنداني، وطلبوا من السائقين إنه يتوقفوا اليوم عن السفر إلى حلب ودمشق، وأكدوا لهم إنه فرع الحزب مستعد يعطيهم تعويض عن العطل والضرر.. المهم، الباصات فرغت أول حمولة من الرفاق المناضلين في حارم، ورجعت لإدلب حتى تجيب نقلة تانية، وبهالفترة بلشوا الرفاق يهتفوا ضد الاستعمار والصهيونية والإمبريالية العالمية، وضد الرجعية والإقطاع.. وكان هادا آخر شي بيشوفه الرفيق أبو قدور.
أبو جهاد: يعني بعدها فقد بصره وما عاد يشوف؟
أبو المراديس: لما راح صديقنا أبو الناجي لعند الرفيق أبو قدور ع البيت بعد الحادثة، لقاه متسطح على الصوفاية، وزوجته أم قدور حاطة ع جبينه كمادات مي باردة، حرارته مرتفعة وعم يئن ويعن، وعم يقول: آخ يا إمي دخيلك.. سأله أبو الناجي:
- خير؟ إشبك يا أبو قدور؟ الظاهر إنه النضال ضد الإمبريالية ما واتاك؟
أبو قدور: مو بس النضال ما واتاني.. أنا كل هالحزب ما كان لازمني. ولاك خاي أنا بياع مازوت، وطول النهار ساحب هالكديش وعم إمشي بالصقاقات، بقى إذا سقط الإقطاع ولا بقي، أيش فارقة مع قفا صرمايتي؟
أبو محمد: طول بالك يا أبو المراديس. إنته هيك شوشتنا. بالأول كان أبو قدور في حارم وعم يعيش ويسقط. بعد شوي صار في بيته بإدلب وعم يعن ويندب حظه. طيب أيش اللي صار في حارم وأيش اللي جاب أبو قدور ع البيت؟
أبو المراديس: الحقيقة صارت أشياء طريفة كتير. ممكن نحكيها بعدما ناخد استراحة. يا ريت كمال يوقف الاتصال. وشي ربع ساعة منرجع ومنلتقي.
(للقصة بقية)