02 سبتمبر 2024
سمر رمضاني إدلبي (2)
جوع وتنحيف بلا فائدة
قبل أن يبدأ منع التجول في إسطنبول، الذي شمل اليوم الأول والثاني والثالث من رمضان هذه السنة - بسبب جائحة كورونا - استطاع أفراد مجموعتنا أن يتموّنوا بالأطعمة والمشروبات التي اعتدنا نحن السوريين أن نتناولها في سهراتنا الرمضانية التي تمتد من الإفطار حتى السحور.
في أول سهرة إمتاع ومؤانسة عُقدت عبر الماسينجر، اندفع الموجودون يتحدثون عن ذهابهم، قبل الحظر، إلى السوق الموازي لجامع الفاتح، أو إلى شارع الـ (Emniyet)، وشرائهم ما يكفي لعدة أيام إضافية، فيما لو مُدِّدَت فترة منع التجول، وهذا الاحتمال وارد بقصد التخفيف من انتشار الفيروس. وشرعت السيدات المجتمعات معنا يتحدثن عن الموائد التي يجهزنها عند الإفطار وتحفل بالأطعمة والمقبلات والحلويات والمعجنات والمشروبات المحلاة، كالعرقسوس والتمر هندي والجلاب، ولكن مع الأسف، لا يوجد ضيوف تقدم لهم كل هذه النعم، والعادة الوحيدة التي درجنا عليها في سورية واستطعنا ممارستها هنا، هي إرسال (سكبة) للجيران، ومن حسن الحظ أن جيراننا الأتراك يمارسون العادة نفسها.
قال أبو الجود إنه سيموت ويصير في عالم البلى ولا ينسى السهرات الحقيقية التي كان يحضرها معنا قبل هذا الوباء، وشرح لنا أنه كان يمشي إلى بيته بعد انفضاض السهرة مثل السيارة الشاحنة التي وضعوا لها حمولة أكثر من طاقتها، وأنه في بعض الأحيان يتوقف ليأخذ استراحة قصيرة ثم يتابع سيره بصعوبة. والآن، في هذه الأيام العصيبة، أصبح محكوماً بتناول الأطعمة التي تقدمها له أم الجود، وهو يعتقد أن الطعام الذي كان يقدم للسجناء في سجن تدمر أفضل منه.
ضحكت أم الجود وقالت: بتسمحوا لي بتعليق؟
قال كمال: مو بس منسمح لك، منترجاكي تحكي لنا. لأن قبلما تنضمي حضرتك لسهرتنا كان أبو الجود يصورك أمامنا بشكل فظيع، والحقيقة لما عرفناكي كتير تغيرت صورتك قدامنا.
قالت أم الجود: لما كان أبو الجود يسهر معكم صار في خطر كتير على صحته، كل يوم ياكل دسم ومعجنات وحلويات، وهوي بالعادة بيضيف على الحلويات كمية قَطر زيادة، وبعد شي سنتين من رفقتكم بَطَّل الميزان الموجود عندنا في البيت يشيله، وهوي مو طويل القامة، ولذلك صار يروح بالعرض ويتدعبل، ولما بينام بالليل صار يشختر، لإنه لما بياكل ما بيترك لحاله مجال للتنفس. ولما طلعت لنا نغمة الكورونا، وإنتوا فضيتوا السهر، هوي بالفعل صار تحت رحمتي، وأنا بلشت بقى أجوعه، ولما بيحكي أو بيعيط أنا بعرف نقطة الضعف تبعه، بقول له (يا رجال هادا الموجود في البيت، إذا حابب تاكل مشكل وملون روح عالأسواق واشتري اللي بتشتهي عليه، وكول حتى تنفزر)، هوي بيضحك وبيقلي: ولك يا مرا ما بتعرفيني مفلس؟ أنا بقله: أنا اللي بعرفك مفلس، منشان هيك أنا عم طعميك أكل مفلسين!
ضحك الحاضرون، وعلقت السيدة حنان قائلة: نحن سهرنا معكم شي أربع سهرات قبل كورونا، وبالفعل كان أبو الجود سمين، هلق أنا شايفة إنه صار وضعه أفضل، بالله كم كيلو نقص وزنك أخي أبو الجود؟
أبو الجود بدوره ضحك وقال: الست حنان مفكرة إنه نحن عندنا في البيت ميزان، وإنه منعمل ريجيم وكل يوم منطلع ع الميزان حتى نشوف قديش نقص وزننا. بتعرفي لو أنا بشتري ميزان وبحطه في البيت بيصير وضعي متل وضع ابن ضيعتنا "أبو حلوم". رحنا مرة لعند أبو حلوم ع البيت لقينا بيته عبارة عن غرفة مترين ونص بتلات متار، فيها صوفاية، بيقعد عليها في النهار وبينام عليها في الليل، وبيتحمم في العتبة وبتجري المي اللي بيتحمم فيها وبتطلع عَ الزقاق، وعنده طنجرة زغيرة وبابور كاز وتلات صحون كل واحد موديل، وعنده، في نفس الوقت جهاز تسجيل ضخم إله ست بافلات، ودائماً بيحط شريط كاسيت وبيسمع أغنية أبو حسين التلاوي: يا تلاوي يا بو حسين، مين قال لك تاخد تنتين، طول عمرك عايش بالدين وما في عملة بجيابي.
قال أبو محمد: هاي الغنية لازم يغنوا لك ياها إلك. مو للتلاوي.
قال أبو الجود: أنا لما رحت لعند أبو حلوم كان معي الأستاذ أمجد، وبوقتها سمعت من أمجد تعليق كتير كويس.
قالت أم زاهر: أيش هوي؟
قال أبو الجود: شال الأستاذ أمجد المسجلة الكبيرة، وسحبها من فيش الكهربا، وقال له لأبو حلوم.. بدي أقول لك فكرتين. أول فكرة: هادا البيت ما بيجوز تدخل عليه هاي المسجلة، وهاي المسجلة أكبر غلط تدخل على هادا البيت. وتاني فكرة إنه إذا أنا بكون المالك الفعلي لهاي المسجلة، ممكن إنته يا أبو حلوم تعرض علي إني نعمل مبادلة، بقلك (خيو، المسجلة تبعي مقابل بيتك مع الفَرش).. والخوف كل الخوف إنك تقبل، وتاخد مني المسجلة، وتبليني بهالبيت الكئيب!
قال أبو ابراهيم: أنا بعترف بإنه قصة أبو حلوم كتير حلوة. بس ما فهمت أيش إلها علاقة بموضوعنا.
قال أبو الجود: كنا عم نحكي عن الميزان، لو انوجد في بيتي ميزان كان وجوده بيشبه وجود مسجلة فخمة في بيت أبو حلوم! وعلى كل حال نحن لسه ما وصلنا للموضوع الأساسي.. ومع ذلك أنا راح اكتفي باللي قلته، حتى ما تظنوا إني بدي آخد حصتكم من الحديث متلما كنت آخد حصة عمي أبو محمد من الكنافة باعتبار هوي معه سكري وما بياكل كنافة.
قال أبو محمد: بعد إذن الحاضرين أنا بدي أعطيك اليوم حصتي من الكلام. ويا ريت تكمل حديثك عن الموضوع الأساسي اللي ذكرته قبل شوي.
قال أبو الجود: شفت بزماني فيلم بالتلفزيون.. الفيلم بيحكي عن ست بتهتم بصحة زوجها، وبتجبره يعمل ريجيم وبتصير بتسايره وبتعمل له وجبات أكل على حسب الورقة اللي جايبتها من عند الطبيب، وخلال شهرين بينزل وزن الزلمة تمانة كيلوجرام.. يعني متل ما نزلتني أم الجود، ويمكن أكتر. وهادا الشي كتير كويس ما عدا شغلتين زغار.
قالت أم ماهر: أيش هني؟
قال أبو الجود: أول شي المرا اللي بالفيلم نحيفة، يعني مانها مدعبلة متل مرتي، وتاني شي إنه الرجل نحف، وصار جسمه رشيق، وهيك صاروا هوي ومرته يعيشوا حياتهم بشكل أفضل. يعني، بالمختصر، المرا تبع الفيلم استفادت من العملية، بس أنا لهلق ما فهمت، لما أم الجود بتعمل لي ريجيم وبتساويني نحيف ورشيق أشو بتسفيد؟!
في أول سهرة إمتاع ومؤانسة عُقدت عبر الماسينجر، اندفع الموجودون يتحدثون عن ذهابهم، قبل الحظر، إلى السوق الموازي لجامع الفاتح، أو إلى شارع الـ (Emniyet)، وشرائهم ما يكفي لعدة أيام إضافية، فيما لو مُدِّدَت فترة منع التجول، وهذا الاحتمال وارد بقصد التخفيف من انتشار الفيروس. وشرعت السيدات المجتمعات معنا يتحدثن عن الموائد التي يجهزنها عند الإفطار وتحفل بالأطعمة والمقبلات والحلويات والمعجنات والمشروبات المحلاة، كالعرقسوس والتمر هندي والجلاب، ولكن مع الأسف، لا يوجد ضيوف تقدم لهم كل هذه النعم، والعادة الوحيدة التي درجنا عليها في سورية واستطعنا ممارستها هنا، هي إرسال (سكبة) للجيران، ومن حسن الحظ أن جيراننا الأتراك يمارسون العادة نفسها.
قال أبو الجود إنه سيموت ويصير في عالم البلى ولا ينسى السهرات الحقيقية التي كان يحضرها معنا قبل هذا الوباء، وشرح لنا أنه كان يمشي إلى بيته بعد انفضاض السهرة مثل السيارة الشاحنة التي وضعوا لها حمولة أكثر من طاقتها، وأنه في بعض الأحيان يتوقف ليأخذ استراحة قصيرة ثم يتابع سيره بصعوبة. والآن، في هذه الأيام العصيبة، أصبح محكوماً بتناول الأطعمة التي تقدمها له أم الجود، وهو يعتقد أن الطعام الذي كان يقدم للسجناء في سجن تدمر أفضل منه.
ضحكت أم الجود وقالت: بتسمحوا لي بتعليق؟
قال كمال: مو بس منسمح لك، منترجاكي تحكي لنا. لأن قبلما تنضمي حضرتك لسهرتنا كان أبو الجود يصورك أمامنا بشكل فظيع، والحقيقة لما عرفناكي كتير تغيرت صورتك قدامنا.
قالت أم الجود: لما كان أبو الجود يسهر معكم صار في خطر كتير على صحته، كل يوم ياكل دسم ومعجنات وحلويات، وهوي بالعادة بيضيف على الحلويات كمية قَطر زيادة، وبعد شي سنتين من رفقتكم بَطَّل الميزان الموجود عندنا في البيت يشيله، وهوي مو طويل القامة، ولذلك صار يروح بالعرض ويتدعبل، ولما بينام بالليل صار يشختر، لإنه لما بياكل ما بيترك لحاله مجال للتنفس. ولما طلعت لنا نغمة الكورونا، وإنتوا فضيتوا السهر، هوي بالفعل صار تحت رحمتي، وأنا بلشت بقى أجوعه، ولما بيحكي أو بيعيط أنا بعرف نقطة الضعف تبعه، بقول له (يا رجال هادا الموجود في البيت، إذا حابب تاكل مشكل وملون روح عالأسواق واشتري اللي بتشتهي عليه، وكول حتى تنفزر)، هوي بيضحك وبيقلي: ولك يا مرا ما بتعرفيني مفلس؟ أنا بقله: أنا اللي بعرفك مفلس، منشان هيك أنا عم طعميك أكل مفلسين!
ضحك الحاضرون، وعلقت السيدة حنان قائلة: نحن سهرنا معكم شي أربع سهرات قبل كورونا، وبالفعل كان أبو الجود سمين، هلق أنا شايفة إنه صار وضعه أفضل، بالله كم كيلو نقص وزنك أخي أبو الجود؟
أبو الجود بدوره ضحك وقال: الست حنان مفكرة إنه نحن عندنا في البيت ميزان، وإنه منعمل ريجيم وكل يوم منطلع ع الميزان حتى نشوف قديش نقص وزننا. بتعرفي لو أنا بشتري ميزان وبحطه في البيت بيصير وضعي متل وضع ابن ضيعتنا "أبو حلوم". رحنا مرة لعند أبو حلوم ع البيت لقينا بيته عبارة عن غرفة مترين ونص بتلات متار، فيها صوفاية، بيقعد عليها في النهار وبينام عليها في الليل، وبيتحمم في العتبة وبتجري المي اللي بيتحمم فيها وبتطلع عَ الزقاق، وعنده طنجرة زغيرة وبابور كاز وتلات صحون كل واحد موديل، وعنده، في نفس الوقت جهاز تسجيل ضخم إله ست بافلات، ودائماً بيحط شريط كاسيت وبيسمع أغنية أبو حسين التلاوي: يا تلاوي يا بو حسين، مين قال لك تاخد تنتين، طول عمرك عايش بالدين وما في عملة بجيابي.
قال أبو محمد: هاي الغنية لازم يغنوا لك ياها إلك. مو للتلاوي.
قال أبو الجود: أنا لما رحت لعند أبو حلوم كان معي الأستاذ أمجد، وبوقتها سمعت من أمجد تعليق كتير كويس.
قالت أم زاهر: أيش هوي؟
قال أبو الجود: شال الأستاذ أمجد المسجلة الكبيرة، وسحبها من فيش الكهربا، وقال له لأبو حلوم.. بدي أقول لك فكرتين. أول فكرة: هادا البيت ما بيجوز تدخل عليه هاي المسجلة، وهاي المسجلة أكبر غلط تدخل على هادا البيت. وتاني فكرة إنه إذا أنا بكون المالك الفعلي لهاي المسجلة، ممكن إنته يا أبو حلوم تعرض علي إني نعمل مبادلة، بقلك (خيو، المسجلة تبعي مقابل بيتك مع الفَرش).. والخوف كل الخوف إنك تقبل، وتاخد مني المسجلة، وتبليني بهالبيت الكئيب!
قال أبو ابراهيم: أنا بعترف بإنه قصة أبو حلوم كتير حلوة. بس ما فهمت أيش إلها علاقة بموضوعنا.
قال أبو الجود: كنا عم نحكي عن الميزان، لو انوجد في بيتي ميزان كان وجوده بيشبه وجود مسجلة فخمة في بيت أبو حلوم! وعلى كل حال نحن لسه ما وصلنا للموضوع الأساسي.. ومع ذلك أنا راح اكتفي باللي قلته، حتى ما تظنوا إني بدي آخد حصتكم من الحديث متلما كنت آخد حصة عمي أبو محمد من الكنافة باعتبار هوي معه سكري وما بياكل كنافة.
قال أبو محمد: بعد إذن الحاضرين أنا بدي أعطيك اليوم حصتي من الكلام. ويا ريت تكمل حديثك عن الموضوع الأساسي اللي ذكرته قبل شوي.
قال أبو الجود: شفت بزماني فيلم بالتلفزيون.. الفيلم بيحكي عن ست بتهتم بصحة زوجها، وبتجبره يعمل ريجيم وبتصير بتسايره وبتعمل له وجبات أكل على حسب الورقة اللي جايبتها من عند الطبيب، وخلال شهرين بينزل وزن الزلمة تمانة كيلوجرام.. يعني متل ما نزلتني أم الجود، ويمكن أكتر. وهادا الشي كتير كويس ما عدا شغلتين زغار.
قالت أم ماهر: أيش هني؟
قال أبو الجود: أول شي المرا اللي بالفيلم نحيفة، يعني مانها مدعبلة متل مرتي، وتاني شي إنه الرجل نحف، وصار جسمه رشيق، وهيك صاروا هوي ومرته يعيشوا حياتهم بشكل أفضل. يعني، بالمختصر، المرا تبع الفيلم استفادت من العملية، بس أنا لهلق ما فهمت، لما أم الجود بتعمل لي ريجيم وبتساويني نحيف ورشيق أشو بتسفيد؟!