سمر رمضاني في إسطنبول (12)
تمكن صديقنا أبو الجود من تحويل مجرى سهرات الإمتاع والمؤانسة الرمضانية من الحديث عن المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية التي كانت تُبَثُّ في رمضان، باتجاه الحكايات التي كانت تجري على أرض الواقع في زمن ماض.. وقد أثار دهشةَ الساهرين جميعهم بحكاية كان يمكن أن نضع لها عنواناً جذاباً هو "أبو سلوم والكلاب"، وقال إن السيدة أم سلوم حردت في دار أبيها، وأخبرته بأن زوجها يحب كلاب الصيد أكثر من حبه لها وللأولاد، وطلبت منه أن يطلقها منه.
حنان: نحن هلق عم نسمع أشياء غريبة، الحالة اللي عم يحكي عنها أبو الجود مقلوبة.. الشي السائد في المجتمع إن الأب والأم ما في عندهم أغلى من ولادهم، وبنفس الوقت إذا الناس بدهم يحتقروا إنسان بيقولوا عنه: كلب، يعني ما في أحقر من الكلاب، فكيف هادا أبو سلوم بيحب الكلاب أكتر من ولاده؟
أبو جهاد: الله يصلحك يا ست حنان، أنا شايفك آخدة القصة بجد، كأنك ما بتعرفي إن أبو الجود كذاب؟
كمال: عفواً خَيّ أبو جهاد، أنا بحب حكايات أبو الجود متلما بيرويها، يا سيدي، وإذا كانت صحيحة أو لأ، وين المشكلة؟ أشو نحن عم نعمل فيلم وثائقي؟ المهم نحن عم نستمتع بسماع الحكاية والسلام.
أبو الجود: بس حكايتي مو كذب، وأم سلوم اللي زوجها بيحب الكلاب أكتر منها ومن ولادها هيي أختي بالرضاعة، الله يرحمها أمي كانت مرضّعة نص بنات قريتنا وعاملتهن أخواتي، وهاي أم سلوم من الجملة، وأنا بوقتها تدخلت في القصة بناء على طلب أبوها "أبو مراد". بذكر إنه قال لي:
- خيو، أبو الجود، الله يرضى عليك، بما أن أم سلوم أختك بالرضاعة، بدي ياك تروح لعند زوجها الواطي أبو سلوم، وتقول له إن قدامه حل واحد من تنين، يا إما بيبيع الكلاب، وبيعيش مع مرته وولاده متل الخلق، يا إما يطلق بنتي، ويصطفل منه لأولاده وكلابه.
في السهر قال أبو محمد لأبو الجود:
- أنا شايف زوج أختك أبو مراد غلطان. لأن إذا كان أبو سلوم فعلاً بيحب الكلاب أكتر من مرته، بيطلقها، وأكيد هي راح تتندم، لأن الطلاق خَرَاب بيت.
أبو الجود: أبو سلوم مو بس بيحب الكلاب، كمان بيحب الحكي. لما أنا وصلت لعنده وسلمت عليه حسيت وكأنه كان مسدود بقشة، وانفتح. من لما شافني. صاح:
- أهلين بأبو الجود. جيت بوقتك. شفت هاي أختك المهبولة أم سلوم أشو عملت؟ (وضحك وتابع) عملت شغلة ما في أحلى منها، تركت البيت وراحت لعند أبوها. على أساس أشو؟ على أساس إنها تضغط علي وتلوي دراعي، وتخليني أبطّل أحب الكلاب. بتعرف أنا أشو صار معي؟ لما كانت هيي هون، ما كنت آخد راحتي بدلال الكلاب. تلاقيني ماسك بإيدي شقفة اللحمة، ومخبيها ورا ضهري، وعم أتلفت متل كشاشين الحَمَام، لحتى أصير قريب من أبو دومان، وأشلف له ياها.
سألته: ومين هادا أبو دومان بلا زغرة؟
قال لي: هداكا الكلب الأشقر، شوف ما شاء الله عليه، أشو هالوقفة؟ صدقني كلما شفته بفكره غزال. يا هيك الكلاب يا بلا، من دون يمين البارحة، ونحن بالصيد، ما شال أبو دومان عيونه عني، شافني عم أتقبَّس ورا حجلة، وبدي أقوسها، لحقني من دون ما يطلّع صوت، واستنى لحتى قوستها وانجرد من جنبي متل سيخ النار، راح جابها وأجا لعندي، ولولا الحيا كان قال لي: نُفِّذَ الأمر معلم أبو سلوم..
قلت له: بس يا أبو سلوم هون في مشكلة، أنا شايف محبتك للكلاب زايدة عن حدها شوي. حدا بيحب الكلاب أكتر من ولاده؟
قال لي: معلوم. كل إنسان عاقل لازم يحب الولاد أكتر من ولاده! طيب أنا بدي أسألك سؤال، وأستحلفك بالله وإيدي على راسك، إذا أنت في الصيد ومعك ولادك ومرتك والكلاب، وقوصت أرنبة، وأصبتها، وركضت الأرنبة من حلاوة الروح ودخلت في دغلة شجر، مين بيركض وراها وبييجيبها وبيحطها قدامك؟ مرتك وأولادك بيركضوا بيجيبوها ولا الكلب؟
انفلت أبو ماهر بالضحك وقال:
- إذا كانت الأمور بتتاخد بهالمنطق معناها الجحش أحسن مني أنا. لأن إذا منكون أنا وأنت والجحش في مكان بعيد، وشفت حالك تعبت، على مين بتركب؟!
أبو الجود: حاشاك من التشبيه أبو ماهر. المهم، أنا لما شفت إنه عقل أبو سلوم مروكب على الكلاب، وبيحبهم محبة قاتولية، وإنه مو ممكن أبداً يغير موقفه، رجعت لعند أختي بالرضاعة أم سلوم، ونصحتها، بوجود أبوها، بأنها ترجع على بيت زوجها بدون قيد أو شرط، وتكمل حياتها معه للأخير، لأن الظروف الراهنة، ووجود عدد من الأولاد بينها وبين أبو سلوم، بيفرضوا عليها تفرمل، وتتعامل مع زوجها على أنه مريض، وما تحاول أبداً تحكي بحق الكلاب قدامه، لأن بوقتها راح يكرهها ويسوّد عيشتها..
أم زاهر: بالفعل قصة غريبة. وشلون انتهت؟
أبو الجود: إذا بتتذكروا؛ أنا كنت عم بحكي لكم على أبو سلوم لما بيقعد مع أبو حمادة وأبو صالح وأبو إبراهيم على باب القهوة. وبيفتحوا سير كلاب الصيد. النهفة الكويسة اللي صارت أن أبو حمادة قال لأبو سلوم إنه ضروري كتير ياخد الكلاب على مركز الناحية، منشان ياخدوا لقاح ضد مرض الكَلَب، أبو سلوم استنكر، وقال لأبو حمادة:
- لأيش آخد الكلاب على مركز الناحية وأخليهن يتشنططوا؟ أنا بجيب الدكتور يلقحهن عندي في القرية!
ضحك أبو إبراهيم وقال:
- معه حق. خلي الدكتور يتشنطط، أحسن ما تتشنطط الكلاب!