سمر رمضاني في إسطنبول (9)
مع بداية شهر رمضان، فتحنا سيرة الإذاعة والتلفزيون والبرامج والأفلام والمسلسلات، لِمَا لها من علاقة برمضان، والتسلية، وأحياناً الفائدة. وتشعب الحديث، في السهرة الرمضانية الفائتة إلى فترة البث اليومية، على القناة التلفزيونية السورية الأولى، التي كانت تبدأ في حوالي الخامسة مساء وتنتهي في منتصف الليل، بعد عرض البرنامج الخفيف المنوع "غداً نلتقي".
كمال: على ذكر برنامج "غداً نلتقي"، أنا بعرف قصة ظريفة، ما عدت أذكر وين قريتها، يمكن بشي كتاب، أو عَ الفيسبوك، أو سمعتها من حدا. بتقول القصة إنه وزير الإعلام السوري كان قاعد في مكتبه بالوزارة، وأجا لعنده واحد من الأشخاص المتنفذين، وقال له إن ولاده كتير بيحبوا برنامج "غداً نلتقي" لأنه بيعرض مشاهد كوميدية، لكن شارة البرنامج مو حلوة. كانت الشارة يوميتها عبارة عن طيور حَمَام طايرة فوق أحد أحياء مدينة دمشق، والتصوير بطيء، مع موسيقا عزف على آلة "الفلوت" الغربية للعازف الروماني الشهير جورج زمفير.. الوزير، كعادة الوزراء السوريين، تظاهر بأنه فهيم، وقال للضيف:
- الحق معك رفيق. الشارة مو زابطة. لازم تكون الحركية (الميزانسين) متناسبة مع المحتوى البصري، والمفروض تتضمن التيترات مشاهد سريعة وموسيقا معبرة. ولحتى يثبت للضيف المتنفذ إنه ديناميكي وعملي اتصل بالمدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وأعطاه توجيهات (حكيمة) بضرورة تغيير الشارة حالاً.
أبو ماهر: طالما الوزير فهمان كتير، ليش ما اقترح ع المدير العام شارة من عنده؟
كمال: بعيد عنك الوزير بيكون مشغول كتير، ومو فاضي يحك راسه، منشان هيك بتلاقي عنده موظف خاص بيحك له راسه!.. المهم إنه المدير العام اتصل بمدير التلفزيون، وطلب منه يخبر مخرج "غداً نلتقي" منشان يغير الشارة فوراً. مدير التلفزيون ما كان عرفان شو القصة بالضبط، فخبر المخرج وقال له: خيو غير شارة البرنامج.
والمخرج غَيَّر الشارة فعلاً.
أم زاهر: يعني المشكلة انحلت.
كمال: نظرياً انحلت، لاكن المسؤول المتنفذ اتصل بالوزير بعد شي تلات شهور، وقال له:
- شو يا رفيق؟ العادة هدول جماعتك ما غيروا الشارة.
الوزير غضب، واتصل بالمدير العام وصار يزعّق، والمدير العام اتصل بمدير التلفزيون وصار يزعق، هيك لحتى وصل الأمر لعند المخرج، فقال لمدير التلفزيون:
- أستاذ أنا من وقت قلت لي غَيّرْهَا غيرتها.
مدير التلفزيون: أنا ما لاحظت أنك غيرتها. هيي مو كَشّة حَمَام طايرة فوق أحد أحياء المدينة ببطء؟
المخرج: بلى.
مدير التلفزيون: أنا شايف الشارة الحالية عبارة عن كشة حَمام طايرة فوق أحد أحياء المدينة ببطء.
المخرج: صحيح أستاذ، بس هاي الكَشّة غير الكشة اللي كانت في الشارة السابقة، حتى المكان اللي طايرة فوقه الحمامات مختلف!
أبو المراديس: الحديث في سهرتنا بيجر بعضه. على ذكر المسؤولين اللي بيتصلوا بالمدير الأدنى منهم، أنا راح أحكي لكم حكاية. من زمان، يعني من الستينيات، لما حزب البعث العربي الاشتراكي نادى بالوحدة العربية من المحيط للخليج، كانوا الرفاق البعثيين ما يمر يوم إلا ويبكوا عَ الوحدة العربية. طبعاً أنا عم استخدم كلمة (يبكوا) بمعناها الحرفي، مو المجازي.
أبو جهاد: يعني يبكوا بدموع؟ وبيمسحوا دموعهم بالمناديل؟
أبو المراديس: أي نعم، وبيترافق البكاء مع شهشهة ونحيب، وهادا الشي بيحصل لما واحد من البعثيين بيكون عم يحكي بالوحدة العربية الشاملة، وبينط واحد كتير غلبة متلنا، وبيقول لهه: (لك خيو منيح، خلينا نوحّد نصف الدول العربية، مبدئياً، وفي وقت لاحق منكمل) فبيبكي البعثي، وبيتشهشه، وبيقول: إهي إهي.. أنا ما بقبل إلا بالوحدة التامة.. وبسبب هالهوس المسعور بالوحدة العربية من قبل البعثيين دخلت سورية بمجموعة من عداوات مع الدول العربية الشقيقة، مع العراق، ومصر، والسعودية، ودول الخليج، والأردن، ولبنان، ولا تفكروا عداوة ع الخفيف.. أبداً، عداوة ع القتل!
أبو إبراهيم: أنا شايف إنك عم تظلمهم للرفاق البعثيين. نسيت أنهم عملوا وحدة مع مصر؟
أبو المراديس: نعم. ويا ريتهم ما عملوا هالوحدة، لأن في البداية سلموا سورية لجمال عبد الناصر، وقالوا له: خيو أبو خالد، استلم هالبلد، واعمل اللي بدك ياه (العظم إلنا واللحم إلك)، حلت البركة. وبعدين عملوا عليه انقلاب وقالوا له احليق. وبعدما كان – بنظرهم - قائد الأمة العربية، وبطل تاريخي، صاروا يقولوا عنه عميل ومتخاذل وجبان ومتآمر ورجعي.
أبو جهاد: أبو مرداس صاير متل أبو الجود. بيترك القصة اللي عم نحكي فيها وبيدخّلنا بوحدة تانية.
أبو المراديس: أنا ما طلعت برات القصة، بس يمكن طولنا المقدمة شوي. يا سيدي، وبعدما انفصلت سورية عن مصر، صار مجرد الحديث عن عبد الناصر خط أحمر، والنكتة اللي بدي إحكيها حصلت في هالفترة.
أبو محمد: حلو. أشو هيي هالنكتة بقى؟
أبو المراديس: وزير الإعلام في سورية أعطى توجيهات (حكيمة) للإذاعة والتلفزيون والصحف إنه ممنوع حدا يجيب اسم عبد الناصر ع لسانه. وفي يوم من الأيام؛ دخل مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ع المبنى ووجهه عم ينقط سم. استنفرت كل أقسام الهيئة، وركضوا الموظفين ليشوفوا أيش صاير.. وفي ناس ظنوا إنه في انقلاب جديد، لأن كل الضباط اللي بيعملوا انقلابات بيبعتوا وحدات من الجيش بتحتل مبنى الإذاعة والتلفزيون حتى يذيعوا البيان رقم (1).. لكن تبين إنه ما في انقلاب ولا شي، كا ما في الأمر أن المدير العام فوراً فتح تحقيق لحتى يعرف مين هوي الشخص الغبي (الحيوان) اللي خطر له يخالف تعليمات الوزير حول منع ذكر اسم عبد الناصر!.. وبعد أخد ورد، وهات وخود.. عرفوا الحقيقة، وهي إنه مخرج الفترة الصباحية في الإذاعة خطر له يحط أغنية فيروز "البنت الشلبية"..
أبو إبراهيم: أف. وأيش علاقة البنت الشلبية بجمال عبد الناصر؟
أبو المراديس: المدير العام كان عم يسوق سيارته الصبح وهوي جاية عالهيئة، ومتل العادة فاتح الراديو، وطلعت أغنية البنت الشلبية، وكانت فيروز عم تقول: تحت القناطر، محبوبي ناطر.. فتخربط كيانه.. لأنه، من كتر ما هوي ذكي، فكر إن فيروز عم تقول (تحت القناطر.. محبوبي ناصِرْ)!