سيارات سورية أسدية (1)
بالمصادفة فتحت سيرة السيارات في سورية. جاء الصديق أبو ماهر إلى سهرة "الإمتاع والمؤانسة" المنعقدة في حي الفاتح متأخراً. شرح لنا أن سبب تأخره هو تَوَقُّفُ السير أثناء قدومه إلى مكان السهرة في شارع "فوزي باشا". كان يومها مرتبطاً بعمل جعله يتأخر قليلاً، ولكي يعوض الوقت استقل سيارة أجرة (تكسي)، وحينما وصل إلى موقف "كاراجُمْرُكْ" حصلت العرقلة. وبما أنه لا يجيد اللغة التركية أشار بيده للسائق مستفهماً عن السبب فقال له: Kaza.
وأضاف أبو ماهر: فهمتْ وقتها إنُّه في حادثْ سيارة في آخر الشارع، واستغربتْ ليش الأتراك بيسموا الحادثْ Kaza.
قال أبو إبراهيم: الكلمة في الأصل عربية: قَضَا. الأتراك، متلما بتعرفوا، بيقلبو الضادْ زايْ. كلمة زيادة مثلاً باللغة التركية هي (Fazla) وأضلها فَضْلَة. على كل حال حوادث السير في إسطنبول وفي عموم تركيا قليلة بالقياسْ لحوادث السير عندنا في سورية.
قال أبو زاهر: حوادث السير في سورية كتيرة، ومؤلمة، والسبب معروف، هوي أنه نظام الحكم عندنا قائمْ على المخالفاتْ والاستثناءاتْ. لما مجلس الشعب بيصدرْ قانونْ وبينشروه في الجريدة الرسمية لازم يضيفوا عليه عبارة: ويُمْكِنُ مخالفةُ هذا القانون بالطرق التالية:..
قال أبو إبراهيم: أبو زاهر عم يحكي صح. لكن أنا كنت بدي قول إنه هون في إسطنبول كاميرات المراقبة موجودة في كل مكان، والبوليس قادرْ يُوْصَلْ لمعرفة الحرامية واللصوص والمجرمين بعد وقوع الجرائم بفضلْ الكاميراتْ. وبالنسبة لحوادث السير ممكن تقدم صور مراقبة الكاميرات للقاضي فكرة دقيقة عن كيفية وقوع الحوادث، وهادا عمل جبار، خاصةً إنُّه عدد سكان إسطنبول 16 مليون (عدا السواح الأجانب والأتراك اللي بيدخلوا يومياً لاسطنبول ويجعل تعداد سكانها يتجاوز عشرين مليوناً) باختصار إسطنبول مدينة بحجم دولة!
قال أبو محمد: في سورية مو بس ما في كاميرات. أكتر السائقين عندهم استعداد لمخالفة قانون السير، بالأخص في موضوع السرعة الزائدة.
قال أبو الجود: أنا اشتغلت شوفير سيارة فترة طويلة.. نعم، السائقين بيحبوا يتجاوزوا السرعة، ويخالفوا نظام السير والإشارات. ولما كنا نقعد نحن الشوفيرية مع بعضنا في مقهى الكاراجات بحلب أو بإدلب كان كل واحد منا يتباهى بسيارته وبشطارته.. كنت تسمع واحد عم يقول: أنا بخلي سيارتي تطير. وواحد بيقول: أنا بْدَخِّلْ سيارتي في خرمْ الإبرة. ولما منحكي عن السرعة بيقول واحد: أنا كنت داعسْ لْهَا للصاجة. يعني أن رجله كابسة على دعاسة البنزين لحتى توصل للحديد (الصاجة).. وبهالحالة السيارة بتمشي بسرعة ممكن توصل لـ 140 كيلومتر في الساعة رغم وجود شاخصة مكتوب عليها إنه السرعة المسموح فيها بهاي المنطقة 80 كيلومتر في الساعة.
قال أبو جهاد: لما كنا في سورية أنا سمعت إنهم بلشوا يركبوا كاميرات على الطرقات العامة.
قال أبو الجود: صح. بس ما راح يستفيدوا من الكاميرات شي، لأن نحن الشوفيرية كنا منعرف وين مركبين الكاميرا، ولما كنا نسافر عَ طريق الشام، لما منوصل لعند الكاميرا منشوف أول شي السرعة المسموح فيها، إذا كانت 60، مثلاً، كنت تلاقينا ماشيين بسرعة 50، وإذا شفنا واحد مسرع ومو عارف إنه فيه كاميرا كنا نأشرْ لُهْ بالضَوّْ، أو بالزمور، ولما يسألنا بالإشارات: أشو القصة؟ نقول له بالإشارات: هون فيه كاميرا.. وبعد فترة صاروا شرطة المرور يشيلوا كاميرا محمولة، ويتخبوا بين الشجر في وسط الطريق، وأكتر شي بيوقفوا عند الأماكن اللي السرعة المسموح فيها عالية، يعني 120 كيلومتر في الساعة، بهالحالة إذا انتبه السائق إلى إنه الشرطي صَوَّرُه وهوي متجاوز السرعة كان يوقف ع اليمين، ويرجع لورا (أنرييه) وينزل ويتفاهم مع عناصر دورية الشرطة. إذا مبلغ المخالفة 500 ليرة ممكن يعطيه للشرطي 100 ليرة، وبهالحالة الشرطي بيحذف الصورة وبيقول لُه: الله معك يا معلم.
قال أبو جهاد: لما بتقعدوا بين بعضكم إنتوا الشوفيرية كنتوا تتباهوا بمخالفتكم النظام وكيف بتدعسوا البنزين للصاجة. بس لما الواحد منكم بيقعد مع مالِكْ السيارة أشو بيحكي؟
ضحك أبو الجود وقال: أنا بصراحة كنت كَذِّبْ على صاحب السيارة، وإذا سألني عن السرعة بحلف له بحياة أم الجود وأولادي على أني مهما كلف الأمر ما بتجاوز بسرعتي 90 كيلومتر في الساعة. بتعرفوا ليش؟ لأن صاحب السيارة اللي أنا بسوقها في الأصل ميكانيكي وبيعرف إنه مصروف السيارة من البنزين بيكون طبيعي طالما السرعة تحت الـ 90، أما بعد التسعين بتصير السيارة بتصرُف كتير.. ولما بيسألني: كم كيلومتر عَمْ تساوي معك بالتنكة؟ كنت إحلفْ مرة تانية بحياة أم الجود والولاد إنه عَمْ تساوي 280 كيلومتر في التنكة. وكمان هادا الحكي كدب.
قال أبو جهاد: أنت واحد قليل وجدان يا أبو الجود. بتعرف لما بتحلف بحياة أم الجود وولادك وإنته كاذبْ أيش يصير؟
قال أبو الجود: أيش؟
قال: الله بيقصف عمرهم.
قال أبو الجود: وهادا هوي المطلوب. الله يسمع منك يا أبو جهاد!