سياسيون تحت إمرة رجال الدين
شهد العراق بعد عام 2003 الكثير من المتغيّرات السياسية، أبرزها التدخل المباشر لرجال الدين في الشأن السياسي، وهذا الأمر لم يكن له أن يستمر طوال السنوات السابقة لولا هيمنة الإسلام السياسي على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلد.
بعد سقوط النظام السابق وبداية عهد نظامٍ جديد، استطاعت الأحزاب الدينية الشيعية في العراق أن تحصل على رعاية مرجع ديني في أوّل عملية انتخابية جرت عام 2005، ما أهلها للفوز بأكبر عدد من المقاعد النيابية.
من يومها والإسلام السياسي مهيمن على السلطة في العراق، وكلّ رؤساء الوزراء الذين حكموا البلاد خرجوا من عباءته.
نظرة سريعة على التصريحات التي أدلى بها مسؤولون كبار في الدولة ورؤساء وزراء سابقون، تبيّن التدخل المباشر لرجال الدين في الشأن السياسي طوال فترة حكم الأحزاب الدينية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أول رئيس حكومة عراقية تشكلت بعد 2003، إياد علاوي، ذكر في لقاء متلفز أنّ مرجعية النجف (السيد علي السيستاني) أبلغته عام 2005 برغبتها في ضمه إلى القائمة الانتخابية التي ترعاها، مقابل استمراره في منصبه رئيساً للحكومة، لكنه رفض الأمر وخسر منصبه.
وهذا ما أكده الوزير السابق، محمد توفيق علاوي، في تصريح إعلامي، مبيّناً أنّ المرجع الديني علي السيستاني أبلغه شخصياً بأنه عرض على إياد علاوي قبيل انتخابات عام 2005 انضمامه الى قائمة "الائتلاف العراقي الموحد" مقابل الاحتفاظ بمنصب رئيساً للحكومة.
أما رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، فقد كان في خطبه ولقاءاته الإعلامية خلال فترة ترؤسه للحكومة يؤكد دوماً التزامه توجيهات المرجعية الدينية وإرشاداتها.
الإسلام السياسي مهيمن على السلطة في العراق، وكلّ رؤساء الوزراء الذين حكموا البلاد خرجوا من عباءته
السياسي وائل عبد اللطيف، وهو برلماني ووزير سابق كشف في لقاء صحافي عام 2018 أنّ مرجعية النجف استبعدت 4 مرشحين لرئاسة الحكومة، بعد أن حذرتهم على لسان مبعوثها إليهم بعدم منح "الشرعية" لأيّ حكومة تتشكّل من خلال هؤلاء المرشحين.
في لقاء تلفزيوني، أكد نائب رئيس الوزراء السابق، بهاء الأعرجي، أنّ جميع رؤساء الحكومات بعد 2005 جاؤوا من طريق المرجعية الدينية في النجف.
خلال انتفاضة تشرين في عام 2019، قدّم رئيس الوزراء آنذاك، عادل عبد المهدي، استقالته بناءً على خطبة المرجعية الدينية في النجف، التي تضمنت رسالة له بضرورة التنحي عن الحكم، رغم أنّ ترشيحه لرئاسة الحكومة كان من قبل محمد رضا، نجل المرجع الديني الأعلى علي السيستاني! (بحسب تصريحات مسؤولين كبار في الدولة وقياديين في الأحزاب الدينية الحاكمة).
وهناك الكثير من التصريحات السياسية التي تؤكد تأثير رجال الدين على السلطة، لكن لا يسعنا هنا أن نذكرها جميعاً، لذا سأختتمها بتصريح رجل الدين مقتدى الصدر، الذي أعلن قبل مدة قريبة اعتزاله العمل السياسي، ولا أظنه سيبتعد طويلاً، فقد فعلها مرّات عديدة في السابق! لكنه في كلّ مرة يعلن فيها اعتزاله سرعان ما يعود ويتصدّر المشهد السياسي العراقي!
صرّح مقتدى الصدر، في مقابلة تلفزيونية قبل ثلاث سنوات، أنه لا يمكن أن يمرّ اسم مرشح لرئاسة الوزراء إلا من خلاله! بمعنى آخر، إنّ أي شخص يُرشَّح لرئاسة الحكومة العراقية، لا يمكن أن يصوّت عليه في البرلمان إلا بعد الحصول على موافقة الصدر.
الحكومات التي شُكِّلَت بعد عام 2005 كانت الأسوأ في تاريخ العراق الحديث، بعد أن فتحت الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية، وحوَّلت وزاراتها إلى دكاكين تسترزق منها الأحزاب الحاكمة، وجعلت العراقيين يعيشون يومياً كابوس العنف والفساد والدمار الذي حلّ بالبلاد.
يبقى السؤال هنا: ما علاقة رجال الدين بتشكيل الحكومات وكلّ ما هو شأن سياسي؟ بالتأكيد، لا توجد إجابة! لأنّ السؤال بحدّ ذاته يعرّض من يطرحه لمخاطر كثيرة، لذا تجد أنّ معظم الناس يلوذون بالصمت! هكذا هو الحال في العراق!