سيرة المرشح البرلماني الفارط (10)
انتصر بطل سيرتنا عبد الحميد الفارط على المحافظ، وعلى عناصر الأمن الذين كانوا متواجدين في مبنى المحافظة أثناء اللقاء التاريخي الذي جمعه بالمحافظ، وعاد إلى حيث يجتمع عناصر شلته في دار البَخّ منتصب القامة، مرفوع الجبين.
عندما رأوه قادماً تهللت وجوههم، وصاح أبو علي البرمة: بَشّرْ.
قال أبو أيوب: مشي الحال. كسرت راسه.
قال أبو إبراهيم البايملي: كسرت راس مين؟
أبو أيوب: المحافظ. كان مفكر يضحك علي، قلعني من المكتب وصار يصيح (اطلاع لبره ولاك مجنون) حتى يجتمعوا عناصر الأمن ويتكاتروا علي ويكمشوني.. وأنا تذكرت بوقتها إني مجنون، فطالعت جنوني كله عليه، مسكته من رقبته، وحلفت للعناصر يمين إذا حدا بيقرب علي لحتى إخنقه. وهني بيهمهم يبقى المحافظ عايش، فتركوني، وأنا تركته.
قال الهسي: وأشو منشان الترشيح؟ بعدهم معترضين عليك؟
أبو أيوب: فشروا. أنا مترشح نظامي، ما في قوة في الأرض بتقدر تمنعني من ممارسة حقي الدستوري. يا الله شباب اعملوا همة خلونا نعلق الصور.
الراوي: قبل أن ننهي سيرة مرشح الشعب عبد الحميد الفارط دعونا نتوقف عند بعض الأحداث التي رافقت عملية لزق صور المرشح على جدران مدينة إدلب..
في اليوم الذي أعقب لقاءه مع المحافظ، دخلت مجموعة من الأولاد إلى دار البخ، حملوا صور أبو أيوب وأواني صغيرة ملأى بالصمغ والغراء ومجموعة من فراشي الدهان، وخرجوا. وبعد يومين من هذه العملية، وبينما كان أبو أيوب في منزله، يسوي عقدة الكرافة ضمن ياقة القميص استعداداً للخروج، إذ قُرع الباب، فتح ليجد اثنين من أركان حربه هما إبراهيم الأفكح وأبو صفوان سنسن ينتظرانه. سلم عليهما، ودعاهما للدخول.
قال أبو صفوان: إذا فاضي عاوزينك بشغلة.
ضحك أبو أيوب وقال:
- فاضي، لكان مشغول؟
ومشى الثلاثة حتى وصلوا إلى الساحة التحتانية "ساحة الخضرة"، ومنها تابعوا سيرهم باتجاه الحارة الشمالية عبر الزاروب المؤدي إلى دكاكين نيدر، فلما بلغوا نهاية الزاروب انعطفوا يميناً، ومشوا حتى وصلوا منزل "أبو النور"، كان الباب مفتوحاً. استأذنوا ودخلوا.
بعدما ضيفهم أبو النور كأساً من الشاي، قال إبراهيم الأفكح إنه يشعر بالأسى نتيجة الانقسام الذي حصل ضمن فريق المرشح أبو أيوب.
علق أبو النور بذكاء:
- شيء طبيعي أن يحدث هذا الانقسام، وأنا كنت متوقع هالشي، لأن الإمبريالية العالمية ما بتترك إنسان وطني غيور على أمته متل أخونا أبو أيوب إلا وبتحاول تفشله. لكن نحن لازم نكون واعين للمرحلة، وما نسمح لقوى التكبر العالمية بالدخول بيناتنا. لازم نرص الصفوف.
رد إبراهيم الأفكح:
- أبو النور معه حق، الإمبريالية حقيرة. ما بتتذكر يا أبو أيوب لما أخدنا منهاج التثقيف الحزبي من عند أخوي وقرينا الفصل تبع الإمبريالية. بوقتها إنت قلت لي إنك ما فهمت شي بس أكيد هاي الإمبريالية بنت كلب.
أبو صفوان: أنا من دون ما إقرا المنهاج بعرف أن الإمبريالية بنت كلب، لأن اللي بيلقوا خطابات كلهم بيسبوا عليها وعلى الرجعية وعلى التوازن الاستراتيجي.
أبو النور: له يا أبو صفوان، كل شي إلا التوازن الاستراتيجي، قسماً بالله إذا أخونا أبو أيوب بيحكي ع التوازن الاستراتيجي لحتى المخابرات يعملوا له مشكلة، لأن حافظ الأسد هوي اللي قال بدنا نعمل توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني. استعمار ورأسمالية وصهيونية وإمبريالية قد ما بدك سبسب عليهم. خيو أنا كمان بدي ألفت نظر مرشحنا لمسألة مهمة.
إبراهيم الأفكح: تفضل.
أبو النور: الإمبريالية ما بتنتظر إذن من فلان وعلان وعَلَّاك البان حتى تتدخل، لأنها بتدخل في مناخير الناس متل السوسة. ودائماً بتنجح بمساعيها، لأنها بتفتّ عملة. ومع الأسف في ناس بتنباع وبتنشرى. ولا تواخذوني، لما الواحد عم يشوف قطعة الخمسين دولار عم يضعف موقفه، فكيف إذا بيدحشوا له بجيبه ميتين أو تلاتمية دولار دفعة وحدة؟ من دون يمين بيطق عقله!
استمر الحوار بين الأصدقاء الثلاثة على هذا النحو السجالي حتى ضجر منهم أبو أيوب وصاح:
- فهمنا خيو، والله فهمنا. علي الطلاق جننتوني، لسه واحد بيقول انقسام وواحد بيقول مؤامرة، وأنا متل الأطرش في الزفة ماني فهمان شي. ممكن تفهموني أشو اللي صاير؟
قال إبراهيم الأفكح: تكرم عينك. منفهمك كل شي. من يومين أيش صار في دار البخ؟ مو نحن جهزنا الصور والغري والصمغ والفراشي منشان نعلق الصور، وأجوا الولاد أخدوهم وطلعوا يعلقوهم؟
أبو أيوب: صحيح. هادا الشي صار.
الأفكح: ومين الولاد اللي علقوا الصور؟
أبو أيوب: أولاد أبو إبراهيم البايملي وولاد أبو مراد.
الأفكح: طيب. معناها أنت لازم تعرف غريمك. تعال معنا.
وخرج الثلاثة من دار أبو النور مسرعين، حتى وصلوا إلى الشارع الرئيسي الممتد من جامع الشيخ برغل شرقاً ثم ينعطف شمالاً في الساحة الفوقانية، لحتى وصلوا المجمع الاستهلاكي، وخلال مسيرهم كان الأفكح وسنسن يلفتان نظر أبو أيوب إلى أن صوره معلقة في أماكن شديدة القذارة، مثلاً، في زاوية بين جدارين توجد عبارة مكتوبة (كلب ابن كلب من يبول هنا)، وقد ألصقت الصورة فوق كلمة (هنا)، وعند مفرق الطريق المؤدي إلى شركة السندس كان ثمة أثفية وضع فوقها صاج مخصص لشوي الخبز بفليفلة، ألصقت صورة أبو أيوب فوق الصاج، وعلى أكثر من جدار ألصقت صوره بحيث يكون رأسه إلى تحت، والصورة المعلقة بشكل صحيح لم يخل الأمر من إضافة سيجارة في فم المرشح، أو رسم حاجبين إضافيين فوق حاجبيه، وجعل شاربيه مفتولين ومرفوعين إلى الأعلى.
خاتمة القصة:
بعد انتهاء العرس الديمقراطي، وذهاب الأعضاء الناجحين إلى الشام ليحضروا أول اجتماع لمجلس الشعب للدورة التشريعية الجديدة.. وفي مكان قريب من قرية عبد الحميد بجبل الزاوية، عثر بعضُ الرعيان على جثة عبد الحميد المقتول طعناً بالسكاكين.
(انتهت)