سيرة المرشح البرلماني الفارط (3)
استأنفنا، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، الحديثَ عن بطل سيرتنا "عبد الحميد الفارط - أبو أيوب" الذي انتقل من قريته في ريف أريحا إلى مدينة إدلب، ورشح نفسه لعضوية مجلس الشعب، وصارت له جماعة من المؤيدين، أو ما يسمونهم في العرف الشعبي: العُزْوة.
الحاضرون في السهرة كلهم انجذبوا لسيرة هذا الشخص، فهم يعرفون أن معظم أعضاء مجلس الشعب انتهازيون، عديمو الرأي، انبطاحيون، ولكنهم يمتلكون ذكاءً لا يستهان به، وتعقلاً زائداً عن الحد يجعلهم يضعون مصلحة الشعب وراء ظهورهم، ويعملون على تحقيق مصلحة النظام الحاكم، وبهذا يحفظون مصالحهم الشخصية.. وأما أن يرشحُ رجل (مجنون رسمي) نفسَه لعضوية المجلس، فلا شك أن هذا أمر طريف، وتنتج عنه مواقف مضحكة.
قال كمال: أنا وأبو مرداس كنا من أصدقاء عبد الحميد الفارط، ولكن من بعيد لبعيد، لأن الشلة تبعه كانوا ملازمينه بشكل دائم.. وأنا مرة اتفقت مع أبو إبراهيم البايملي إنه يجهز لي لقاء صحفي معه، بصفته مرشح بارز، لكن اللقاء فشل بشكل سريع. سبب الفشل أني وجهت له أول سؤال، على الشكل التالي: هل صحيح، سيادة المرشح أبو أيوب، أنك تعتبر عضوية مجلس الشعب خطوة صغيرة في طريق صعودك، لأن طموحاتك أكبر من هذا بكثير؟
وبلش يجاوبني بمنتهى الجد، وصارْ يستخدم نفس الجمل والمفردات المقعرة اللي بيستخدموها البعثيين، وقبلما يستكمل جوابه أجتني نوبة ضحك، تحولت لقهقهة قوية، حاولت أضبط حالي بدون جدوى، وبوقتها انزعج مني، وطلع من المكان وهوي عم يبربر بكلمات غير مفهومة.. وأنا ظنيت الموضوع انتهى عند هالشي، لكن أبو أيوب بعدما صار بره طلع جنونه بشكل رسمي، سبني و(حشك لي) بالقلم العريض، وهددني بأني إذا بمر بعد اليوم من ساحة الخضار بده يكسر رجليّ تكسير!
أبو الناجي سأل الحاضرين سؤال محدد: ليش المرشح تبعنا ما بيلبس طقم رسمي وكرافة متل المرشحين الآخرين؟ يعني هني بأيش أحسن منه؟..
أبو المراديس: نعم، أنا يومها ما كنت موجود، ويبدو أن كمال أحس بالعطب، وخاف شي مرة يكون في الساحة ويضربه بحجر يشق راسه.. فلجأ لي، وطلب مني أعمل مصالحة بينه وبين أبو أيوب، وأنا اشتغلت عَ الموضوع، لكن المصالحة كانت مضحكة أكتر، لأن أفراد الشلة أوحوا لأبو أيوب إنه هادا كمال صحفي مزيف، وكذاب، وصحيح بينشروا له بعض المقالات في جريدة تشرين، لكن مقالاته أدبية، وما بيحق له أصلاً يعمل لقاءات مع شخصيات مهمة، وخاصة مع المرشحين لعضوية مجلس الشعب.
حنان: وكيف انحلت القصة؟
أبو المراديس: أنا تدخلت في الموضوع، وقلت لأبو أيوب (ازرع هالشغلة في دقني)، مع أني حليق، وقلت لأعضاء الشلة إني حلاوة الصلحة علي.. وعلى السريع خبرت ظافر عبدللي، شقيق المرحوم عبد القادر، وطلبت منه يستضيفنا عنده في مزرعة "جرناز"، وافق طبعاً، وعقدنا الجلسة، وكان الشرط الأساسي إنه كمال يعتذر لأبو أيوب أصولاً، ولكن مرة تانية وقعنا بمشكلة، وهيي إنه كمال وقف قدام أبو أيوب، وقال نص كلمة (بعتذر..) وما قدر يكمل الجملة لأنه انفلت بالضحك.. ولولا إنه ظافر غَيَّر السيرة وقال تعالوا عاونوني بضم اللحم بالسياخ، كنا وقعنا بمشكلة جديدة.
كمال: اسماع يا عمي أبو محمد.. في مصطلح بعلم النفس إسمه "المنعكس الشَرْطي".. بيكون عندنا شغلتين، لما بتصير وحدة منهن، التانية بتصير حُكْمَاً.. خليني أوضح لك أكتر، أنا صار عندي منعكس شَرْطي: كلما بشوف أبو أيوب الفارط، بضحك..
أبو جهاد: يعني الأستاذ كمال بيصير هوي (الفارط.. من الضحك)..
أبو محمد: أنا شايف كلما قربنا من حكاية هادا الزلمة بتبعدونا عنها. المرة الماضية حكيتوا لنا إنه رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب ضمن المهلة القانونية. يا ريت تحكوا لنا بقية القصة.
أبو المراديس: رشح نفسه بشكل نظامي، والشلة تبعه عملت اجتماع موسع في دار عربية قديمة بالحارة الشمالية اسمها (دار البَخّ)، وقرروا انطلاق عملية الدعاية الانتخابية اعتباراً من صباح اليوم التالي. وكانت الأمور ماشية ع التمام، وعلى وشك إنه الشباب يوزعوا العمل بيناتهم، وإذ طلع أبو ناجي السوّيدة بنغمة ما كانت عَ البال ولا ع الخاطر.
أبو الناجي سأل الحاضرين سؤال محدد: ليش المرشح تبعنا ما بيلبس طقم رسمي وكرافة متل المرشحين الآخرين؟ يعني هني بأيش أحسن منه؟..
نط أبو ناصر الهسّي وقال: فشروا. مين قال أحسن منه؟ علي الطلاق بالتلاتة هاي.. (وركض على قَدَم عبد الحميد، شَلَّحه فردة الصرماية، وشالها بإيده، وصار يلولح فيها) هاي الصرماية أحسن من ناس كتير بهالبلد. مرشحنا طفران صحيح، لكن طول عمره ما سرق ولا نهب ولا نافق ولا تزلف.
قال أبو إبراهيم البايملي: نعم، وبعِرْضْ أختي كان ينام على باب حمام المحمودية في زقاق المبلط حتى ما يكسر نفسه للناس ويقول لهم عطوني بيت إسكن فيه، ولولا هالإنسان الشهم المحترم (أشار بيده إلى أبو ناصر الهسّي) دقته النخوة وعطاه بيت يسكن فيه كنت شفته هلق متل الكلب الصآئي عم يبرم من قرنة لقرنة.
خلال هادا الحوار كان أبو أيوب حاطط إيده على صدره بكل تواضع، وعم يقدم الشكر والامتنان لهالمجموعة الطيبة. بعدين طلب الإذن بالكلام، فجاوبه أبو ندور: عم تطلب إذن يا أبو أيوب؟ علي الطنطراق إنته لازم تؤمرنا أمر، بكرة لما بتطلع ع المجلس وبيسلموك سيارة كاديلاك أو ضوظوطو وبتجي لهون وإنته حاطط إيدك ع الشباب، لحتى نص أهل هالبلد يموتوا طقيق منك، وبالأخص البعثيين!
أبو مازن السلموني رفع إيده وقال لأبو ندور: الله يخليك بعدنا عن السياسة، نحن بدنا نخوض منافسة شريفة، والبعثية والناصرية وحتى الشيوعية كلياتهم إخوتنا وأهلنا وولاد بلدنا. وبالنسبة للطقم والكرافة أنا بشوف إنها ضرورية، منشان الأمبلاج. خيو، أنا من قياس مرشحنا أبو أيوب، ومستعد أتبرع له بطقمين كويسات من طقومتي، بس بصراحة أنا ما عندي كرافة، لأن أنا ما بلبس كرافات.
ضحك أبو ناصر الهسّي وقال: بالله ما بتلبس؟ ليش مين منا بيلبس كرافات؟
قال أبو أيوب: إنتوا جماعة كويسين كتير، لكن بصراحة؟ بتحبوا الحكي والعلاك. أنا طلبت إذن بالحكي، وما حدا عم يخليني إحكي. خيو مشكلة الطقم انحلت، أخونا أبو مازن تبرع لي بطقمين. وأنا بشوف إن الكرافة كتير ضرورية، وبتعطيه للمرشح هيبة. منشان هيك أن مصرّ عليها.
قال أبو إبراهيم: عال. معناها لازم نعتبر تأمين كرافة لمرشحنا هدف مرحلي رقم واحد. أيش بتقولوا؟
الكل: موافقين.
(للقصة تتمة).