شاعر حباب زوجته تلبس القبقاب
كنا، ذات يوم، نجلس أنا وصديقي الأديب سليمان، في مقهى الريحاني، نتجاذب أطراف الحديث حول علاقة الأدباء بزوجاتهم. فقال لي: هل تعرف زميلنا الشاعر "أبو عمران"؟
قلت: طبعاً أعرفه، ما به؟
قال: يا سيدي زوجته، بحسب ما حكى لي هو، وعلى ذمته، ترضى أن تعيش مع الضرة في بيت واحد ولا ترضى أن تعيش مع الشعر! وهي تترجم كراهيتها للشعر بطرق لا تخطر في بال إبليس ذاته. فإذا ما رأته متوحداً مع نفسه ويبدع شعراً، مرة تقرص الولد الصغير فيبكي مذعوراً، ومرة توقع فتنة بين الولدين الكبيرين فيتشاجران، وتركض هي إلى النافذة المطلة على زقاق وتصرخ هي مولولة:
- يا ناس، يا عالم، يا هوه، لله وللرسول أنقذوني من هذه العيشة مع أولاد يترافسون مثل البغال، وزوج مبحر في الكتب طول النهار متل فتاحي الفال!
ومرة تدخلُ عليه واضعة يديها في خصرها، وتبلغه بكثير من الاستفزاز والتشفي أن المؤونة نفدت، والسقف ينش، والوحدات في موبايلها نفدت، ومؤسسة الهاتف قطعت الهاتف الأرضي لأسباب مالية، والجابي ترك للأسرة عند الجيران إنذاراً لدفع ضريبة العقارات خلال يومين تحت طائلة الحجز، و..، و.. إلخ.
المهم أن المسكين أبا عمران، طقت في رأسه ذات مرة، فحلف اليمين الغموس على أنه لن يكتب كلمة شعرية واحدة قبل أن تنام زوجته والأولاد وجباة المالية والبلدية والأوقاف.. ويسمع شخيرهم من مسافة مئة كيلومتر.
ولكن، وبالرغم من كل هذا، ما يدريك أن زوجته العفريتة نائمة فعلاً؟ تصور، يا رجل، قال هو يجلس ليكتب، بعدما يتأكد من أنها نائمة، وهي تتسلل على رؤوس أصابعها إلى المطبخ، وتحضر صحناً مليئاً بالجارنك، وتدخل عليه من دون أن تمشط شعرها، وتجلس بجوار طبلة أذنه وتباشر القرض بصوت يضرب على الأعصاب!.. فلا يكون منه إلا أن يمزق ما كتب من قصيدته وهو يشتم الشعر والشعراء، وينحو باللائمة على أول من وضع أساس العروض الشعري، قاصداً الخليل بن أحمد الفراهيدي بالطبع.
قلت: ألا ترى أن زميلك أبا عمران يبالغ في الشكوى من زوجته قليلاً؟
قال: والله العظيم لا أعرف، ولكن الذي يدهشني، بالمقابل، هو ما ترويه أم عمران عن "الجو الإبداعي" الذي تؤمنه لزوجها. فيا مرحوم الوالد، قالت لي صديقتها فايزة، وهي صديقة زوجتي:
- ليت كل النساء مثل أم عمران، تصوَّر، عندما يكتب زوجها شعراً تؤمن له جواً أكثر هدوءاً من جو قاعة المطالعة. تبعد الأولاد عن غرفته، وتشغل له موسيقا كلاسيك، ولا تمشي في البيت إلا وهي حافية، أو بشحاطة إسفنجية لئلا يصدر عن مشيتها أي صوت.
حينما وصل أبو النور إلى هذه النقطة من حديثه، ضحك وقال:
- نسيت أن أقول لك، ولكي أخلص من رقبتي، إن أبا عمر يزعم أن زوجته لا تمشي في البيت إلا بالقبقاب!
فمن منهما الصادق؟