طريق حرير "عربي" إلى إسرائيل
لا يتعلّق الأمر بكتابٍ جديد، ولا بعنوان مثير لفيلم، أو مسرحية، وإن كان ليس بعيدا عن ذلك.
يقول الخبر: "طريق بري من الإمارات والبحرين مرورًا بالسعودية لنقل البضائع إلى إسرائيل ومصر للتعويض عن المشاكل الأمنية في البحر الأحمر".
وهنا، لا أعرف هل يمكن تحليل هذا الخبر والتعليق عليه؟ بل هل نجد الكلمات لذلك، حتى لو أردنا ذلك؟ هذا ما سأحاوله رغم أني أشعر بالعجز. فمثل هذه الأخبار تجعلك تتسمّر في مكانك. تلوذ بالصمت. ترمي قلمك بعيدًا، بعيدًا جدًا. تهجر هاتفك الجوّال لساعات وأيام. تنقطع عن قراءة الأخبار، عن مشاهدتها والاستماع إليها. تتوّقف عن قراءة الكتب والذهاب إلى المكتبة. تنسى كلّ ما تعلّمت. تتعطل الحواس، تدخل خلايا الذهن في سُبات، لا تعرف من زمهرير البرد أم من شدّة الحرارة التي يسبّبها هذا الخبر. هنا، ما جدوى النظريات والروايات والأشعار؟
أعادني الخبر إلى الشيخ غوغل للبحث عمّا كان يُعرف قديمًا بطريق الحرير، حيث يعرِّفه بالطريق التجاري بين الصين وأوروبا مرورًا بآسيا وشرق المتوسط. وبالإضافة إلى وظيفته الاقتصادية، فقد مثَّل هذا الطريق معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي مرّ بها، ومن خلاله تلاقحت الحضارات وانتشرت الديانات في أصقاع مختلفة من العالم.
تدخل خلايا الذهن في سُبات، لا تعرف من زمهرير البرد أم من شدّة الحرارة التي يسبّبها هذا الخبر
لاحقًا، اندثر هذا الطريق مع التحوّلات التي عرفتها موازين القوى منذ القرن الخامس عشر، وبفعل اكتشاف طرق بحرية أخرى تصل البضائع من خلالها إلى الغرب الصاعد بكلفة أفل وأمان أكثر.
اليوم، وفي سياقات نعرفها ونشاهدها يوميًا، ولا حاجة لنا لتكرار الحديث عنها، يعود طريق الحرير 2024 من جديد لتصل البضائع إلى شواطئ المتوسط الشرقية بتكلفة أقل وأمان أكثر!
هكذا يُستعاد الطريق في سياقات مقلوبة، لا يفهمها إلا الحكماء المعاصرون ذوو الخبرة الذين أعادوا ترتيب الأمور بتفكير خارج صندوق التفكير الوطني والإنساني، نحتًا لنظريات وجود جديدة، ربّما هي مضمون الثقافة التي يُراد للحضارات أن تتلاقح بها، ولو أدت الى إنهاء بعضها، وفي أحسن الحالات ركنها في هامش الهامش.