"طوفان الأقصى" ونهاية إسرائيل كمفهوم
استيقظت إسرائيل صبيحة اليوم، السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، على هجوم بري عنيف ينفذّه مئات المقاتلين من كتائب القسّام على مستوطنات ومواقع غلاف قطاع غزة، وتصاحبه غارات صاروخية بكثافة غير مسبوقة في تاريخ المقاومة يتجاوز عددها 5000 قذيفة صاروخية في الدقائق العشرين الأولى للعملية، كما أعلن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في خطابه للشعب الفلسطيني، وللأمة العربية والإسلامية، بُعيد البدء بتنفيذ العملية.
التقطت قيادة الكتائب بحذاقة بالغة نقطة الضعف القاتلة في كيان العدو، وهي المباغتة الاستراتيجية، والتي أفقدته وعيه ورشده وقدرته على التفكير حتى من هول الصدمة، وهي بذلك حصدت نصف النصر في الساعات الأولى للمعركة، والنصف الثاني ستحصده بالصبر وإتقان لعبة المفاوضات.
جرى تنفيذ هذه العملية بدقة فائقة، سواء على الصعيد التكتيكي الذي اختارت فيه المقاومة توقيت العملية، والذي يتزامن مع فترة الأعياد اليهودية ويوم السبت وسلسلة طويلة من اقتحامات الأقصى والانتهاكات بحق الأسرى، أو على الصعيد الاستخباري، الذي نجحت المقاومة فيه بجمع قدر كبير ودقيق عن المواقع والكيبوتسات الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة، وضبطت قنوات الاتصال لديها بحيث لم ترشح قطرة معلومات واحدة عن العملية التي جرى التجهيز لها لشهور، وربّما سنوات.
كما توّضح المشاهد التي نشرتها المقاومة، فقد جرى تدريب المقاتلين على تنفيذ الهجوم ببراعة عالية وروح مغامرة غير مسبوقة في المنطقة، كما جرى تجهيز مسرح العمليات بروية وهدوء، ليكون مناسباً لمرور الآليات والمشاة، فأن يستمر المقاتلون في القتال داخل أرض العدو لساعات طويلة بهذه البراعة والسيطرة على كيبوتسات ومواقع غاية في التعقيد، فهو أمر يدعو إلى الدهشة بحق.
حصدت المقاومة نصف النصر في الساعات الأولى للمعركة، والنصف الثاني ستحصده بالصبر وإتقان لعبة المفاوضات
لقد فاجأت المقاومة جيش الكيان وقدراته الأمنية والاستخبارية، التي تعتبر الأقوى والأكثر تقدّماً في الشرق الأوسط، عبر عملية هجومية من فوق الأرض لا من تحتها، فالعدو الذي حشد كامل قوته للحدّ من أثر الأنفاق الهجومية عبر بناء الجدار العازل والممتد مئات الكيلو مترات، والذي يضرب عمقه في الأرض 60 متراً، لم يتنبه إلى أنّ حماس تخطّط لما هو أبعد من مهاجمة موقع عسكري بعشرات المقاتلين عبر الممرات تحت أرضية، بل هي تنوي احتلال المساحة المتاخمة للقطاع، والمسمّاة بغلاف قطاع غزة، والتي يبلغ عمقها 25 كيلومتراً.
اليوم يستطيع الفلسطيني القول إنّ إسرائيل كمفهوم انتهت وبلا عودة، فالكيان القوي المرعب ولّـت أيامه، حتى وإن توّجه إلى ارتكاب مجازر دموية لإجبار المقاومة على دفع ثمن باهظ لفعلتها، واستعادة الردع الذي خيّم على الوجدان العربي قرابة قرن من الزمان.
هذه العملية والردّ الإسرائيلي المتوّقع سيُدخلان المنطقة بأسرها في حالة حرب لن تفلح أيّة جبهة من الجبهات في التملّص منها مهما فعلت، ولذلك يجب أن نوطّد أنفسنا لمسار انتقامي طويل من المواجهة، يعتمد فيه العدو على قتل أكبر قدر من المدنيين لتحقيق صورة نصر مزعومة، لكن ذلك يمكن الحدّ منه فقط بانخراط جبهة أخرى في القتال تدفع العدو إلى إعادة انتشار قواته.