عبارات معلّبة
"ابق حيث الغناء، فالأشرار لا يغنون"، مثل منسوب إلى الغجر.
من أشهر العبارات المعلبة التي أسمعها مؤخراً، وعادة ما تكون صادرة عن قناعة صادقة من قائلها، بأن الموهوبين لا يمكنهم أن يكونوا أشراراً حتى لو أرادوا هذا، لا يمكنهم أن يكونوا مخادعين، أو استغلاليين. لا يكذبون ولا يحتالون ولا ولا ولا... إجمالاً لا يفعلون أي شيء لا يتصف بالنبل.
أعتقد أننا جميعاً في مرحلة ما صدقنا المثل وآمنا به، فكيف لشخص ذي موهبة وروح فنان أن يمتلك بداخله ذرة شر؟
عبارة أخرى معلبة تقول "الأفعال أبلغ من الأقوال"، وشخصياً أجد تلك العبارة لم تفقد بعد معناها مثل المثل السابق، فأفعال الناس خير حكم عليهم، ودعنا مما يقال ومما سمعت، المهم ما تم بالفعل وما حدث.
لم أذكر العبارات السابقة على سبيل الحكم على الآخر أو لتقييم أشخاص في العموم، ولكن مع كثرة مشكلاتنا ومواضيعنا، سواء على المستوى الشخصي أم العالمي، تجد الكثير من العبارات الرنانة الجاهزة للاستخدام، والتي لا نرى أي رد فعل تجاه ما يحدث سواها تقريباً.
الكثير من العبارات عن أهمية ترابط بعضنا ببعض، وعن المساندة التي يجب أن تقدم من خلال الفن الذي يسمو بالروح، ويخاطب القلب والعقل بدون وسيط، والذي يصدر بالتبعية من روح فنان يشعر بما يحدث من حوله، وليس من خلال مشاريع مخطط لها مسبقاً أو معدة للتلاعب بعقول من يتلقى وقلوبهم.
في وقتنا الحالي تحديداً، اكتشفنا الكثيرين من حولنا ممن يجيدون الغناء والرقص وإلقاء الشعر ونظمه، فنانين عظاماً على مستوى الفن فحسب، أما ما عدا ذلك فحدث ولا حرج.
في الحرب التي تخوضها الدول العربية من حولنا مع المحتلين الطامعين في الأرض، تجد الكثير من التعاطف من كل الأطراف، وبكل الأطراف هنا أعني الطرف المعتدي.
نجد من يتعاطف مع قضيته ويبرر له الاعتداء، بينما يحرم على الآخر حقه في الحياة! ومن بين هؤلاء المتعاطفين هناك الكثير من الفنانين مرهفي الحس، من يغنون ويرقصون ويجيدون ما يفعلونه بحق.
ينحاز هؤلاء إلى الطرف المعتدي لاعتبارات عدة لن ننخرط في تحليلها هنا، لكننا بكل تأكيد نرى كما رأوا هم ما يحدث من حولهم واختاروا الوقوف مع الجانب الأقوى بدلاً من الصمت، ففي نهاية الأمر لم يطلب أحد من هؤلاء أي شيء سوى ما يقدمونه، ولكنهم اختاروا بإرادة حرة وبوعي كامل بما يدور من حولهم.
هذا على الجانب الأكبر، أما على الجانب الشخصي والمقياس الأصغر، فكم مرة رأيت شخصاً موهوباً ولامعاً ولديه الكثير ليقدمه، وبدلاً من العمل على نفسه تجده يحاول أن يسقط من حوله لعدم ثقته بنفسه أو بما يقدمه؟
كم مرة رأيت شخصاً موهوباً ولامعاً ولديه الكثير ليقدمه، وبدلاً من العمل على نفسه تجده يحاول أن يسقط من حوله لعدم ثقته بنفسه أو بما يقدمه؟
بدلاً من تطوير ذاته والبحث عما ينفعه تجده يبحث عن من تركوه والمنافسين ليخرب مخططاتهم، وليعمل على أن يكون وحده في الصورة ليضيع على نفسه وعلينا وقته وفنه الذي كان سيوفر عليه هذا العناء؟
أعود مرة أخرى إلى مثل "ابق حيث الغناء، فالأشرار لا يغنون" وأجده لم يعد لائقاً بوقتنا هذا وغيره الكثير من الأمثال التي يجب علينا أن نعيد النظر فيها؛ فأشرار أيامنا يغنون ويرقصون على جثث من حولهم من دون أن تطرف لهم عين.