عند اختلالِ الأدوار
"التوازن في الحياة يتحقّق عندما يعرف الفرد دوره ويؤدّيه بشكلٍ مسؤول."
(ليو تولستوي)
استيقظتُ هذا الصباح وأنا أشعرُ بالقلق. الضجيجُ خارجَ النافذة يزيدُ من توتّري. فحينما فتحتُ النافذة، كانت المفاجأة الغريبة تنتظرني: السحب تمطرُ سمكًا، والسماء ملوّنة بالأخضر، والأشجار تبدو وكأنّها في ولادة، والحيوانات تبدو وكأنّها في حوار... حتى جسمي بدا وكأنّه يتمرّد عليّ، دماغي ينبض بالدم بينما قلبي يفكر في وجودِه. كلُّ شيءٍ كان في حالةٍ من الفوضى، وشعرتُ بالاختناق.
وسطَ هذا المشهد السوريالي، همسَ لي صوتٌ: لماذا أنت متفاجئة، ألستم أنتم معشر البشر من بدأ هذه الفوضى؟ لماذا هذا الاستغراب كأنّ أدواركم طبيعية ومتوازنة؟
لم أستطع إلّا أن أتساءل: هل نحن فعلاً نعيشُ وفقاً لأحكامِ الطبيعة والمبادئ الأساسية التي خُلِقت لنا؟ كيف يمكن أن نعيش في عالمٍ تكون فيه الأدوار الطبيعية مقلوبةً؟ نحن نعيشُ في حالةٍ من الفوضى حيث لم يعدْ الناس يقومون بأدوارهم بشكلٍ صحيح. كلُّ شيءٍ أصبح مرتبكًا، ولا أحد يحترم حدوده أو دوره.
كلُّ شيءٍ أصبح مرتبكاً، ولا أحد يحترم حدوده أو دوره
عزيزي القارئ، خذْ لحظةً وانظر حولك، وراقبْ أدوار الناس، راقب الأقنعة التي يرتدونها للتنقّل في هذا العالم المتزايد والمغرق في فوضاه. هل تعتقد حقًا أنّهم في تناغم مع غرائزهم، مع النظام الطبيعي للأشياء؟ أم أنّهم يتسلّلون فقط عبر الحياة، طافحين في بحرٍ من عدمِ اليقين؟ الحقيقة لا تُنكر: اختلّ التوازن، ونحن جميعًا ندفع الثمن. ولكن ربّما، من خلال التعرّف على المشكلة، يمكننا أن نبدأ في إيجادِ الحل. إنّه فقط من خلال استعادة اتصالنا بالعالم الطبيعي، من خلال اعتناق ذواتنا الحقيقية، يمكننا أن نأمل في استعادةِ النظام إلى حياتنا مرّة أخرى.
في المجتمع، لكلِّ فردٍ دور محدّد يلعبه، وكلّ دورٍ يُكمل الآخر للحفاظ على التوازن والاستقرار. عندما لا يقوم الأفرادُ بأدوارهم، يحدثُ اختلالٌ يؤدّي إلى الفوضى والاضطراب. نحن بعيدون جدًا عن غرائزنا الطبيعية التي خلقنا الله بها، وهذا الاختلال يخنق أرواحنا. الأم التي كان يُفترض بها أن تقدّم النصيحة والرعاية أصبحت مشغولةً بأمورٍ أخرى ، مما يترك الأطفال بدون التوجيه اللازم. الأب الذي كان يُفترض أن يحمي ويوفّر الأمان للأسرة قد يكون غائبًا أو غير مهتم، مما يترك الأسرة بلا دعامةٍ قويّة. الأخ الذي كان يجب أن يهتم ويعتني بأخوته أصبحَ مُنشغلاً بحياته الخاصة، تاركًا أخوته يشعرون بالإهمال. الأخت التي كان يجب أن تكون سندًا وداعمًا، لا تكون موجودة عند الحاجة. الصديق الذي كان يجب أن يكون مصدرًا للراحة والدعم، غير مكترث ممّا يترك فراغًا عاطفيًا كبيرًا. العائلة التي من المفروض أن تكون السند الأوّل أصبحتْ السبب في الشتاتِ والدمار. وغيرها من الأدوار التي لا تُعدّ وتُحصى. هذا الأخير، يجعلنا نبحثُ عن مصدرِ الأمان والإشباع النفسي في مكانٍ غالبا ما يكون خاطئًا، وهنا نكون قد حكمنا على أنفسنا بالإعدام النفسي.
الحقيقة لا تُنكر: اختلّ التوازن، ونحن جميعاً ندفع الثمن
هذا الخلل في الأدوار يؤدّي إلى مجموعةٍ من المشاكل النفسية والاجتماعية. والعديد من الأمراض النفسية تنبعُ من عدم تلبيةِ الاحتياجات العاطفية والاجتماعية بشكلِ صحيح. وعندما لا يقومُ الأفرادُ بأدوارهم المتوقعة، يعاني المجتمع ككل، ونشعرُ بالضيق والاختناق لأنّنا نحن من خلقنا هذا الوضع لأنفسنا. ولم يعدّ أحد يريد أن ينجز واجبه ومسؤوليته على أكمل وجه، بل إنّ الجميع يتهرّبون من واجباتهم. العالم لا يمكنه السير بسيرورةٍ صحيّة على هذا المنوال، حيث يؤدّي التهرّب من المسؤوليات إلى تفاقم المشكلات وتعميق الفوضى. الحياة التي نعيشها ليست سويّة، ولن تكون كذلك إذا لم يتم الوعي بسلوكنا، أنا لست أبحث عن مجتمعٍ مثالي، ولكن على الأقل يجب علينا أن نعترف بأخطائنا وأن نكون مسؤولين عن الأضرار التي تسببّنا بها بأيدينا، دون طرح أسئلة ساذجة مثل: لم أعد أشعر بذاتي بعد الآن؟