عن الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية في المغرب
شكّل قرار الملك محمد السادس بوضع رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وطنية حدثاً كبيراً بدلالات رمزية قوية، وحمولات ثقافية بارزة، وأبعاد حضارية كبيرة. جاء ليعزز التطورات النوعية التي عرفها المغرب في المجال المتعلق بالحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، ويكرس المسار الجديد الذي اعتمده في هذا المنحى.
يعكس هذا القرار مكانة وأهمية ورش الأمازيغية لدى المؤسسة الملكية بكونها الضابط والموجه والراعي، إذ كان الملك واضحاً في رؤيته الاستراتيجية حول هذا الموضوع، كيف لا وهو من اعتبر نصفه الثاني أمازيغياً، ووضع هذه القضية ضمن محاور المشروع الديمقراطي التنموي الذي شكل منطلق أسلوب حكمه وإدارته لقضايا البلاد.
خلق الاعتراف برأس السنة الأمازيغية تفاعلاً كبيراً لدى عموم المغاربة، لا سيما أنه يتعلق بالارتباط بالأرض وبالانتماء إلى التاريخ، ويمكن التأكيد أنّ هذا الحدث هو ترجمة وتجسيد لما تضمنه خطاب الملك بمناسبة الذكرى الـ68 لثورة الملك والشعب، من إشارة قوية ودالة: "... المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرناً، فضلاً عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب". (انتهى منطوق الخطاب الملكي).
يعد هذا الخطاب من المفاهيم الجديدة المندرجة ضمن رؤية متكاملة لتدبير القضايا المجتمعية الخلافية الكبرى لمرحلة ما بعد انتقال المُلك لمحمد السادس خلفاً لوالده، كالمساواة بين الرجال والنساء، والإنصاف، والمصالحة، وإصلاح الحقل الديني، والتي تفيد بأنّ المؤسسة الملكية التي جسدت عبر التاريخ قيم الانفتاح والتعدد والتنوع والتسامح، ليس لديها أي إشكال مع التاريخ القديم للمغرب في مرحلته قبل الفتح الإسلامي، إضافة إلى أنه تعبير عن تفاعل إيجابي مع مطلب شعبي سبق أن عبّرت عنه بعض القوى السياسية والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني الأمازيغي على وجه الخصوص، الذي لا يترك أي مناسبة دون طرح مطلب الاعتراف بالسنة الأمازيغية، فضلاً عن كون جزء كبير من ساكنة شمال أفريقيا دأب على الاحتفال بهذا الحدث بأشكال مختلفة، تماشياً مع الخصوصيات السوسيوثقافية لشعوب هذه المنطقة.
أسهمت الثقافة الأمازيغية عبر التاريخ في تجذر الحضارة المغربية، وإبراز الشخصية الوطنية بتعدد وغنى روافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية
فهو عيد يحمل أسماء مختلفة، هناك من يطلق عليه "يناير" و"السنة الفلاحية" و"حاكوزا" وغير ذلك. ويتسم هذا الحدث بطقوس احتفالية دالة ضاربة في تاريخ المنطقة، تتسم بتنظيم تجمعات عائلية، والاستمتاع بالموسيقى والرقص، وإعداد الأطباق المتنوعة. إنه بتعبير أدق عيد الاحتفال بالطبيعة والحياة والأرض وما توفره من خيرات. وكذلك عيد يحمل الأمل والتفاؤل لقادم أحسن، والتيمّن بسنة فلاحية جيدة. فغياب الاعتراف بالسنة الأمازيغية لم يكن يلغي الاحتفال الذي دأب عليه المغاربة منذ القدم، كما أنّ الإعلام العمومي في السنوات الأخيرة عمل على تسليط الضوء على خصوصية ورمزية هذا الحدث ودلالات الاحتفال به.
وكذلك فإنّ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بالرغم من كونه مؤسسة استشارية تشتغل بجانب الملك في تدبير ملف الأمازيغية، واظب بدوره على الاحتفال بهذا الحدث كل سنة. أما الحركة الأمازيغية فيشكل لها هذا التاريخ مناسبة لطرح مطالبها، وتقديم مرافعات حول شرعية وعدالة القضية الأمازيغية.
لقد أسهمت الثقافة الأمازيغية عبر التاريخ في تجذر الحضارة المغربية، وإبراز الشخصية الوطنية بتعدد وغنى روافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وقد شكل دستور 2011 لحظة استثنائية تاريخية عكست الوعي المتقدم للدولة، وترجمت منظورها الجديد في التعاطي مع المسألة الأمازيغية.
من هذا المنطلق نعتقد أنّ قرار الاعتراف بالسنة الأمازيغية يعد حدثاً تاريخياً استثنائياً، يجب أن تتبعه مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن تعزز هذا المسار كرد الاعتبار لبعض الأحداث والوقائع التاريخية، وإبراز بعض الشخصيات والإعلام، وتثمين بعض المناطق الجغرافية التي تعرضت للإنكار الممنهج بفعل توجهات سياسية وأيديولوجية للدولة ابتدأت خطواتها منذ ظهيرة 16 مايو/ أيار 1930 المنعوت خطأ بـ"الظهير البربري"، وتعمقت أكثر بعد اتخاذ قرارات همّت بتأسيس البنيان الدستوري والقانوني والسياسي للدولة المغربية، واستكملت حلقات هذا التوجه بالشروع في تعريب الحياة العامة.
إن هذا القرار يجب أن يكون حافزاً لجميع الفاعلين للانتقال إلى مرحلة تقوي وتعزز مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المجالات المحددة لها من قبل القانون ذي الصلة، مع التركيز على قطاعي التعليم والإعلام مدخلاً وقاعدة لكل إصلاح حقيقي، على اعتبار أنّ الأمازيغية مسؤولية وطنية مشتركة، وملك لجميع المغاربة بدون استثناء.