عن تناقض وليد الركراكي ودعوات العرب
قبل عام تقريبًا، تمنّى مدرب المنتخب المغربي، وليد الركراكي، أن يسانده "أشقاؤه" العرب بالدعاء، مشيرا إلى أنّه يسعى ليكون خيرَ ممثّلٍ لهم في كأس العالم في دولة قطر التي شهدت إنجازًا غير مسبوق بوصول منتخب عربي إلى المربع الذهبي للمونديال؛ وذلك قبل أن تتغيّر مؤخرًا الديباجة، إذ صار الخطاب الجديد الذي على الجميع التقيّد به، لاسيما أنّه صادر من مهندس الفرحة الأسطورية، وما علينا إلا الامتثال والسير خلف نهجه الذي أضحى يقول: "أنا لا يهمني اللعب تحت راية العرب ولا تمثيلهم".
قد يكون المدرب المغربي "استأنس" بالضجة المُثارة حول تصريحاته منذ تجربته الأولى في الدوري المحلي، حين أُسندت إليه مهمة تدريب نادي الفتح الرباطي في خطوةٍ كانت مفاجئة حينها لعدّة اعتبارات، أوّلها انعدام فرص منح الثقة للمدربين الشباب في محيط يعتمد على الوصفة الجاهزة ولا يعترف بالمغامرة ودعم الأطر الصاعدة لعلها تفلح في كسر الحواجز وتغيير العقليات المتحجرة. وهذا ما نجح فيه الركراكي رفقة "الفتح"، حيث تُوّج بلقب البطولة وكأس العرش، مفاجئًا الجميع بأسلوبه الجديد، ليس فقط في النجاحات المحقّقة على أرضية الملعب، بل امتدّ ذلك ليشمل الندوات الصحافية، حيث انبرى لتسويق خطاب مغاير وغير نمطي، ما حوّله لمادة محبّبة لروّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضًا صار نموذجًا فريدًا أقرب للعقلية الأوروبية التي كان يقودها في تلك الفترة البرتغالي، جوزيه مورينيو، بحروبه الكلامية التي لا تهدأ.
لسنا هنا بصدد تحليل مسار وليد الركراكي الذي يعرفه القاصي والداني طبعًا؛ لكن القصد أنّه ومنذ احتلاله "للترند" المغربي بالعديد من المصطلحات المسجلة باسمه في سجلات السوشل ميديا، لاسيما أنّ لغته العربية الركيكة تساعده في ذلك؛ تعمّد اتباع نفس الاستراتيجية لاحقًا في تجربته مع الوداد البيضاوي. والملاحظ أنّ تلك اللغة "تجمدت" حين أشرف على تدريب نادي الدحيل القطري في تجربته الخارجية الأولى؛ وهنا نتساءل: لماذا تخلّى عن نفس النهج حينها؟ وهذا سؤال لم يخطر في بال أحد في المغرب، لاسيما من "المولعين" بتصريحات وليد النارية.
هل يعي الركراكي حساسية وخطورة ما يصرّح به، لاسيما في ظلّ تبني البعض لخطاب مشابه يصرّ على إبعاد المغرب عن عمقه ومحيطه العربي؟
وبمجرّد استلامه لدفة تدريب "أسود الأطلس"، ظلّ وفيًا لعاداته؛ لكن المختلف هذه المرّة أنّ هذه التصريحات لم تعد تندرج تحت النطاق المحلي، وصارت قابلة للاستهلاك، إقليميًا وقاريًا، وهنا مربط الفرس. وبالتالي، نعود لما بدأنا به هذه المادة حيث التناقض الصريح في ما دعا إليه بقطر وما أضحى عليه الوضع اليوم في ساحل العاج؛ فهل يعي الركراكي حساسية وخطورة ما يصرّح به، لاسيما في ظلّ تبني البعض لخطابٍ مُشابه يصرّ على إبعاد المغرب عن عمقه ومحيطه العربي؟ ألم يكن بالإمكان تجنّب مثل هذا الرد "الكارثي" الذي فتح نقاشاتٍ لا طائل منها، واستفزّ الإعلام العربي من المحيط إلى الخليج؟
نحن لا نقيّم حصيلة المنتخب ضمن كأس أمم أفريقيا، ولا نطرح أسبابَ الإقصاء، ونحلّل الشق الفني؛ ولا يندرج هذا الكلام في إطار "حين تسقط البقرة تكثر السكاكين"؛ لكن لا بدّ من الابتعاد عن هذه الهفوات وعدم الانجرار نحو دعاة الفتن، وفوق كلّ هذا وذاك، إدراك حجم مسؤولية المنصب الذي يحتّم عليك مراجعة أسلوبك في الحديث بدل الانجراف وراء "الترند"، وأشباه الصحافيين الذين يصفقون لكلام شخصية عامة، وهم الأجدر بهم تولي مهمة النقد وتقويم الاعوجاجات.
ختامًا، كنت أتمنى أن تصل للركراكي مقاطع الفيديو التي توّثق دعوات ملايين العرب من المحيط إلى الخليج للمنتخب المغربي في مساره بمونديال قطر، ودموع الفرحة التي انهمرت على وجوه الكثيرين عند كلّ فوز؛ كي يدرك "فداحة " ما صرّح به، ويراجع نفسه في المستقبل القريب، فلسان المرء حصانه، إن يطأ به أو يوطأ به..