عواجيز النظام والدور "الديمقراطي"
إذا كنت في الحكم فعليك الحرص على لقطات مميزة تثبت بها لمريديك أنك مرغوب فيك وفي استمرارك في السلطة وأن الكثيرات خاصة من كبار السن يبذلن جهدًا كبيرًا ليعبرن عن حبهن لك ولعصرك الزاهي الوردي.
هذا ما يفعله النظام المصري في كل عرس انتخابي، حتى وإن لم تحضر العروس ولا المعازيم وما تحرص عليه أذرعه الإعلامية هو التفنن في تحليل لقطات منْ سموهن بالعواجيز، متباهين بالدور الديمقراطي الذي يمارسونه في دولة الحرية والقانون أو هكذا يزعمون.
حقيقة ما حدث في لجان انتخابات مجلس النواب المصري الذي انتهت جولته الانتخابية الأولى، هي أن حزب "مستقبل وطن" استطاع الاستحواذ على بيانات فقراء مصر جميعًا خلال الشهر الماضي، مستغلاً في ذلك قربه من الأجهزة الأمنية التي يعمل تحت مظلتها بكل قوة. فهو الذي خاطبت حملات مرشحيه رسميًا كافة الجمعيات الخيرية في البلاد، حتى حصل الحزب على أسماء وعناوين الفقراء والفقيرات بالقوة وتحت تهديد الجمعيات بسحب التراخيص والإغلاق الفوري.
من هنا بدأت حكاية العواجيز التي تفتخر بها أذرع النظام ببيانات مسروقة أو في أقل تقدير مأخوذة عنوة ثم بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية التي تظهر في شكل مراسيل أو رجال أمن الحزب، الذين داروا على عناوين الفقراء ووعدوهم بـخمسين أو مئة جنيه إضافة إلى وجبة طعام صغيرة.
للحزب ناضُرجية في كل منطقة يجمعون الفقراء والفقيرات من كبار السن المساكين ويحشروهم في عربة سيئة الخدمة تخرج أصواتها من كل ركن فيها، وبعد الحشر والشحن يفرغون الحمولة أمام أبواب اللجان الانتخابية.
فن اللقطات الإعلامية لا يعرف كل ما سبق إنما يبدأ عند دخول السيدات كبار السن على الكراسي المتحركة من باب المدارس، حتى أول درجة من سلم تصل نهايته إلى اللجنة.
في كل الأحوال لا تعبر تلك اللقطات عن حب العواجيز للنظام أو للرئيس أو لمن صوتوا له من النواب، بل يعكس مدى فقرهم وحاجتهم وعوزهم الذي أدخلهم النظام فيه بقوة وسرعة غير منطقية.
النظام بأذرعه المتعددة الجوانب والأهداف التي تكمل بعضها بعضًا بالمتاجرة بعوز كبار السن، ثم تتحدث عن الدور الديمقراطي باعتباره السبب الوحيد لدفع العواجيز كما تحب أن تسميهم الأذرع الإعلامية، لكن ذلك كله زيف لا علاقة له بالواقع الأليم الذي لا تعكسه الآلة الإعلامية الضخمة.
إن كان النظام المصري يحترم العواجيز لهذه الدرجة، فلماذا يعتقل منهم الآلاف في سجونه التي ما زال يبني منها المزيد ليتمكن من اعتقال المزيد منهم، ليس لارتكابهم جرائم جنائية، إنما لتعبيرهم عن أرائهم إما في الشارع بالتظاهر أو على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، دون مراعاة أدنى حقوقهم أو احترام أعمارهم وعائلاتهم؟
المال السياسي صنع جزءًا كبيرًا من ظاهرة العواجيز في جرم لا يغتفر لانتهاك حرمات البيوت بإجبار المرضى على التصويت والذهاب للجان بطريقة الضبط والإحضار لا الحرية والديمقراطية.
أذرع النظام الإعلامية عبرت عن انزعاجها الشديد لانتقاد المعارضة وإعلامها ظاهرة العواجيز، ما اضطرها للرد والتعليق بأن ذلك من مظاهر الديمقراطية، ولم تكتف بذلك، بل قدمت نصيحة للمعارضة بتكرار نفس المشاهد إذا وصلت في يوم للسلطة.
الواقع يقول إن تصويت العواجيز في أوروبا يعني أن الديمقراطية في أشدها أما عند حدوث ذلك في مصر فإنه التعبير الأدق لاستفحال الديكتاتورية وغياب الحريات وانتهاك الدستور والقانون.
إن كان النظام المصري يحترم العواجيز لهذه الدرجة، فلماذا يعتقل منهم الآلاف في سجونه التي ما زال يبني منها المزيد ليتمكن من اعتقال المزيد منهم، ليس لارتكابهم جرائم جنائية، إنما لتعبيرهم عن أرائهم إما في الشارع بالتظاهر أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، دون مراعاة أدنى حقوقهم أو احترام أعمارهم وعائلاتهم؟ فكم من بيت في مصر الآن يغيب فيه الجد والأب في السجون لممارسة حق من حقوقه.
يستغلون فقر العواجيز ثم يصدرونه على أنه دور ديمقراطي ويعتقلونهم لآرائهم المخالفة في غياب آخر للدور الديمقراطي المختفي أصلاً بداية من منتصف عام 2013.
عندما يطلق النظام سراح كبار السن من معتقلاته، لن يكون بحاجة لتلك اللقطات الباهتة، ولا لتصدير الأكاذيب، للعالم لأنه حينها يكون قد انتقل إلى مربع مراعاة حقوق الإنسان الذي يعتبر جزءًا مهماً من مظاهر الديمقراطية في البلاد، بجانب مراعاة جوانب أخرى تكمل أجزاء ومظاهر الديمقراطية المحاصرة في مصر، وبالتأكيد ليس من بينها المتاجرة بآلام كبار السن.