في مقاومة الاحتلال… تسقط الأجساد وتبقى الفكرة
في مراسم تسلّم مهام منصبه رئيساً لأركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي كلمته حول التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي ومهامه، قال هرتسي هاليفي، بلغة تحذير بحسب ما نشره موقع "واللا" العبري: "ردّنا على التهديدات هو ميزتنا الأمنية والدفاعية وقوتنا في الردع والقدرات المتقدمة والكفاءة العالية لدينا، دع أعداءنا يعرفون: ما نقوله نعرف أيضاً كيف نفعله، ونحن مستعدون لفعل المزيد أكثر بكثير مما نقوله".
أما اليوم، وبعد التصعيد الأخير على قطاع غزّة، وفي والوقت الذي يتغنّى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتحقيق إنجازات عسكرية وفرض معادلات ردع جديدة وقواعد اشتباك مختلفة عن سابقاتها، نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريراً يوم الجمعة 19 مايو/أيار 2023، ذكرت فيه أنّ هاليفي يسعى إلى انتهاج "خط متواضع" في كلّ ما يتعلّق بتمجيد نتائج العدوان الأخير على غزة. وليس بالإمكان أن تنعكس دلائل كثيرة من العدوان الأخير على مواجهة مقبلة بين إسرائيل وبين "حماس" أو "حزب الله"، إذ يتحفظ جهاز الأمن الإسرائيلي من تصريحات نتنياهو، حول "تغيير المعادلة" مقابل فصائل المقاومة في قطاع غزة، بعد العدوان الأخير على غزة. ووصفت مصادر أمنية هذه التصريحات بأنها "مبالغ فيها"، وفق ما ذكرت الصحيفة أيضاً.
مع الجولة القتالية الأخيرة والعدوان على غزّة، يبدو أنّ شعارات هاليفي التي تغنّى بها عن قوة الردع الإسرائيلية وتميّزها قد تهاوت، وذلك بالرغم من سعي نتنياهو وحكومته لتوظيف الاغتيالات وتحويلها إلى نصر وإنجاز، وهذا ما أبطلته مؤسسته العسكرية والأمنية قبل أن تبطله صواريخ فصائل المقاومة. فقد انصب التركيز في معظم التعليقات والتحليلات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على فشل العمليات العسكرية المتواصلة في فرض "معادلة ردع جديدة"، في إشارة إلى عمليات الاغتيال التي طاولت قيادات في "سرايا القدس"، الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي". لا بل أكثر من ذلك، فقد تحدّث القائد السابق في جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك)، يزهار دافيد، عن "تهاوي قوة الردع الإسرائيلية".
أما في الميدان، فعن أيّ معادلة ردع وقواعد اشتباك يتحدث نتنياهو؟
فبحسب تصريحات منسوبة لعسكريين إسرائيليين أيضاً أن "يتمكن تنظيم صغير، مثل الجهاد الإسلامي، من شلّ نصف الدولة ويطلق الصواريخ على تل أبيب وكأنه أمر مسلّم به، فإنّ هذا يعدّ إنجازاً لهذا التنظيم".
سياسة الاغتيالات التي يمارسها الاحتلال منذ سنوات طويلة، لم تُوقف يوماً المقاومة الفلسطينية، التي لا تتوّقف عن الابتكار والتّكيف وفق الظروف المختلفة
نعم، تمكّنت طائرات الجيش الإسرائيلي الحربية والاستطلاعية من اغتيال قيادات المقاومة، ولكنها اغتالت أفراداً ولم تنهِ فكرة المقاومة والنضال، حيث لكل قيادي نظير، وعندما يستشهد في الميدان، يتولّى نظيره القيادة من بعده، إننا نتكلّم عن فكر ومنهج لا عن أفراد.
نعم، تسقط الأجساد ولكن تبقى الفكرة...
فسياسة الاغتيالات، التي يمارسها الاحتلال منذ سنوات طويلة، لم تُوقف يوماً المقاومة الفلسطينية، التي لا تتوّقف عن الابتكار والتكيّف وفق الظروف المختلفة.
إذا كانت الطائرات الحربية تقتل القادة المسؤولين عن إطلاق الصواريخ وتبقى الصواريخ تنهمر على المستوطنات، فعن أيّ معادلة ردع يتكلّم نتنياهو؟
حتى آخر دقيقة من التصعيد الأخير، وبعد الإعلانِ عن الهدنة بوساطة مصرية، كانت الصواريخ تدكّ الأراضي المُحتلة ومستوطنات "غلاف غزة"، وإلى أعمق من ذلك. كما أنه لا يمكن إنكار التكتيك المُعتمد في قصف الصواريخ التي سعت لتقويض أداء القبّة الحديدية، سواء من خلال التنويع في مدى الصواريخ بين تلك قصيرة المدى والأخرى التي كانت تضرب العمق، والأشكال التي كانت تطلق بها الصواريخ، والاتجاهات المتعدّدة التي تنطلق فيها، والتي مكنت المقاومة من الاستمرار في إطلاق الصواريخ، رغم الغطاء الجوي الكثيف لطائرات استطلاع الاحتلال.
يمكن الحديث عن معادلة ردع جديدة أو قواعد اشتباك مُحدّثة فقط في حال تغيرّت معادلة الردع القائمة بين فصائل المقاومة ودولة الاحتلال على قاعدة "النار بالنار والهدوء بالهدوء".